"و إن جنحوا للسلم فاجنح لها .."
"لا يولد أحد و هو يكره غيره بسبب لون بشرته أو جنسه أو ديانته و لكن يتم تعليمه الكره، فإذا كان من الممكن تعليم الكره فبالتالي يمكن تعليم الحب، فالحب أمر غريزي يتفق مع الطبيعة الإنسانية أكثر من الكره" – من السيرة الذاتية للمناضل الأفريقي الراحل و رئيس جنوب أفريقيا السابق نيلسون مانديلا.
كانت مصر في نهاية السبعينيات و أوائل الثمانينيات تعيش أجواء الإسترخاء و السلام و في هذه الفترة ظهرت أولى روايات الكاتب صالح مرسي عن بطولات عالم الجاسوسية عام 1978 في صورة المسلسل الإذاعي "دموع في عيون وقحة" الذي تحول إلى فيلم ناجح في نفس العام ثم قدم صالح مرسي بعد ذلك عدة قصص أخرى عن عالم الجاسوسية في حلقات أسبوعية على صفحات مجلة المصور مثل الحفار و رأفت الهجان و غيرها تلقفها الجميع بترحاب شديد و لاقت نجاحاً كبيراً فانطلقت تلك القصص لتظهر في كتب و أفلام و حلقات تليفزيونية تسرد قصص من الماضي القريب لبطولات عظيمة للمخابرات المصرية ظلت حبيسة جدران السرية و الكتمان لا يعلم أحد عنها شيئاً حتى تمتع أحدهم بحسن التقدير و الإدراك لكي يقرر أن هذا التاريخ ملك للشعب المصري و أن الأجيال الجديدة في حاجة إلى التعرف على هذا التراث لتدرك قدره فيقرر فتح ملفات المخابرات للكاتب صالح مرسي لينتقي منها القليل من بين عشرات و مئات القصص الحقيقية عن بطولات و تضحيات قام بها أجيال الأباء و الأجداد .. لكي لا ننسى .. و لكي نضع الأمور في نصابها الصحيح .. و لكي نستمد منها القدوة و المثال في الوطنية و التضحية و الإيثار.
و ظلت معظم القصص الواردة في هذا الكتاب و المئات غيرها من البطولات حبيسة سجلات القوات المسلحة و المخابرات العامة لا يعلم عنها أحد شيئاً و كان يتم تكريم أبطالها سراً و بعضهم لم يكرّم على الإطلاق فقصة الحفار مثلاً أعلنت عنها الجرائد المصرية كخبر فور وقوعها إلا أن التفاصيل و أدوار الأبطال الذين شاركوا و نفذوا ظلت محجوبة لا يعلم عنها أحد شيئاً حتى نشرت على حلقات في المصور عام 1984 بل أن سفير مصر في ساحل العاج إحسان طلعت و الذي كان له دور كبير في نجاح عملية الحفار "سقط سهواً" و لم يكرم إلا بعد مرور خمس سنوات و قصص أبطال إختراق ميناء إيلات لم تعلن إلا من خلال فيلم "الطريق إلى إيلات" الذي عرض في مارس 1995.
و اليوم، و رغم أجواء السلام التي نعيشها حالياً بعد مرور أكثر من 45 عاماً على حرب أكتوبر، إلا أنه يخطئ من يظن أن جذوة الخلاف قد انطفئت فما زالت المبادئ الصهيونية قائمة و ما زالت مناسبات التأبين تقام لذكريات الحرب و ضحاياها تذرف فيها الدموع لتجدد مشاعر عقدة الإضطهاد و لتنقل شعلتها إلى الأجيال الجديدة و ما زال العداء للعرب يدرّس في بعض المدارس الإسرائيلية.
(الصورة لفتيات إسرائيليات في عمر الزهور في زيارة لمستودع للذخيرة حيث يقومون بكتابة عبارات التهكم و الكراهية على القذائف المعدة لقصف جنوب لبنان).
كما لا تزال مأساءة اللاجئين الفلسطينيين قائمة و البالغ عددهم اليوم أكثر من خمسة مليون لاجئ بالإضافة إلى نحو 2 مليون فلسطيني يعيشون داخل إسرائيل 1948 يمثلون نحو ربع سكان البلاد و ما زال أنصار الصهيونية المسيحية بعشرات و مئات الملايين في كل مكان .. و لا يمكن لمنصف إنكار أن إسرائيل دولة عنصرية بجدارة فهي دولة دينية يحتل فيها اليهود المرتبة الأولى و يأتي كل من عداهم من "الجوييم" في المرتبة الثانية ...
و على الجانب الآخر فقد نشأت دولة إسرائيل منذ أكثر من 70 عاماً و ولد بها منذ ذلك الحين عدة أجيال جديدة لا ذنب لهم في ظروف نشأة دولتهم .. و من هذه الأجيال من وعى لحقيقة الموقف العنصري لدولته و أبعاده الغير إنسانية واللا أخلاقية و وقف معترضاً على سياسة دولته و دافع عن حقوق الفلسطينيين و هي أجيال تؤمن عن قناعة بإمكانية التعايش السلمي مع جيرانهم العرب بل و ضرورته.
و في ظل هذه المواقف المتعارضة و المتلاطمة علينا أن نلوذ برايتنا و أن نضبط بوصلتنا فنحن لم نكن يوماً دعاة حرب ونحن من قمنا بالدعوة للسلام و أن تكون حرب أكتوبر 1973 أخر الحروب إلا أننا يجب ألا نغفل عن الانتباه لما يدور حولنا و ليس لنا من ملجاء سوى تاريخنا فهو الملاذ نستقي منه لتعلم الأجيال الجديدة عدالة موقفنا و شرعية حقوقنا .. كما يحب أن نزرع في الأجيال الجديدة معنى كلمة عروبتنا و قيمة إنتمائنا إلى العالم العربي و أنه رغم مظاهر عدم الاتفاق بين بعض الأنظمة و الحكام إلا أن الروابط التي تجمع بين شعوبنا العربية و مصالحها أقوى من تلك الخلافات و أن ضعفنا يرجع إلى فرقتنا و أن قوتنا تكمن في وحدتنا.
لذلك فإن تجديد المشاعر الوطنية و إحياء صور البطولة من تضحية و فداء هو ضرورة هامة، ليس بغرض التفاخر و التباهي و لكن لتعيننا على معرفة منشأ الأحداث و تطورها و عدالة مطالبنا فتجارب و خبرات الماضي هي المعين على تحديد مسار المستقبل.
أن هذا التراث من البطولات ما زال أغلبه مدفوناً في سجلات سرية و ما يطفو منها على السطح لا يزال معظمه يفتقد لحسن التوثيق للأبطال و الوقائع و التواريخ .. كما أن غالبية أبطال و شهود هذه الوقائع رحلوا عن عالمنا و فقدنا مع رحيلهم جزءاً ثميناً من شهاداتهم و ذاكراتهم .. جزءاً من ذاكرة الوطن.
و لقد كان من الدوافع الأساسية لعمل هذا الكتاب هو ما لاحظته من نقص و تضارب في المعلومات و الوقائع التاريخية وراعني أن أرى تلك التشوهات تنتقل من مصدر إلى مصدر و بالتكرار يثبت الخطأ و تضيع الحقيقة، و من أشهر تلك الأخطاء مثلاً تكرار الإشارة إلى تعامل الرئيس عبد الناصر مع الملك حسين فيما يتعلق بواقعة احتجاز أبطال عملية إيلات الثانية بواسطة المخابرات الأردنية حيث يتم الإشارة إلى انه كان يعقد في القاهرة في هذا الوقت مؤتمر للقمة العربية حضره الملك حسين و الصحيح أنه لم يكن هناك مؤتمر للقمة في هذا التاريخ – الخميس 5 فبراير 1970 – و لكن الصحيح أن الملك حسين كان في زيارة للقاهرة لمباحثات ثنائية تلاها مؤتمر لدول المواجهة .. و كذلك المبالغة في الإشارة إلى نتائج عمليات اختراق ميناء إيلات و ذكر أن عدد القطع البحرية التي أغرقت كان ثلاثة أو أربعة في حين أنه لم تغرق سوى قطعة واحدة فقط و هي سفينة إنزال الجنود "بات يام" بينما تم إصلاح السفن الثلاثة الأخرى التي أصيبت و هو أمر لا يقلل بأي حال من الأحوال من بطولة رجال الضفادع البشرية ونجاحهم في اختراق موقع حصين داخل إسرائيل 1948 بنجاح خمسة مرات متتالية .. و لقد حاولت في هذا الكتاب التحقق من سلامة ما يذكر من الأسماء و تسلسل الوقائع و التواريخ بقدر الإمكان .. لذلك أرجو ممن يكتشف أي خطأ في هذا العمل أو أي إضافة تستحق التسجيل أن يتفضل بالاتصال لعمل التصحيح اللازم .. مع جزيل الشكر مقدماً.
و أضيف للأجيال الشابة أن العلم هو طريق النجاح فأحد الفروق الهامة و الأساسية بين هزيمة 67 و انتصار 73 هو نسبة الأمية بين جنود الجيش المصري و التي كانت تبلغ أكثر من 80% في 67 فانخفضت انخفاضاً كبيراً بتجنيد المؤهلات العليا منذ يناير 1968، فالجندي المتعلم الذي شارك في 73 كان واحد من أهم عوامل نجاح العبور العظيم كما أضيف أيضاً أن الجهاد في ميادين العلم و العمل لا يقل عن الجهاد في ميادين القتال فالجهاد في ميادين القتال هو للدفاع عن الوطن أما الجهاد في ميادين العلم و العمل فهو السبيل الوحيد لرفعة مصرنا و نهضتها.
كما أنتهز الفرصة لكي أشير إلى أن فيلم "الطريق إلى إيلات" (انتاج 1993) و كذلك المسلسل التليفزيوني "الحفار" (انتاج 1996) هي محاولات مشكورة إلا أنها تقدم صورة مشوهة للأحداث لا صلة لها بالحقيقة في مواضع عديدة .. والدفع بأن ذلك كان لضرورة فنية لا يليق، فمثل تلك الأحداث التاريخية جديرة بأن تسجل بما تستحقه من المصداقية الكاملة للوقائع و للشخصيات و التسلسل التاريخي للأحداث و بالحرفية المهنية المطلوبة بدون أي مبالغات أو أي إضافات تخل بالحقيقة أو "حبكات درامية" لا داعي لها .. فهذه الأعمال ليست أعمال درامية بل هي أساساً توثيق لوقائع تاريخية في صورة درامية .. و التاريخ أمانة.
و أخيراُ أدعو الجهات المعنية .. بإلحاح شديد .. أن تعمل على الإفصاح عن البطولات المحفوظة في سجلاتها لكي تنالما تستحقه من الإكبار و التقدير و لكي يمكن توثيقها في وجود من تبقوا من أبطالها و لكي تأخد المكانة اللائقة و الجديرة بها في تاريخ مصر ..
فهي تاريخ كل المصريين و ملك لكل المصريين ..
و أخيراً .. و لكي لا ننسى أو نخدع أنفسنا .. و لكي تتضح الرؤية و لا يضيع الاتجاه ..
نقدم لكم صورة الرئيس الأمريكي و رئيس الوزراء الإسرائيلي و خلفهم الطفل المعجزة جاريد كوشنر (مواليد 1981) مستشار الرئيس و زوج ابنته، و الذي يستقبله ملوك العرب ليبحثوا معه مستقبل المنطقة ..
الصورة لهم في البيت الأبيض بالعاصمة الأمريكية واشنطن يوم 25 مارس 2019 عقب توقيع وثيقة اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة إسرائيل على الأراضي السورية المحتلة بمرتفعات الجولان.
و التعبيرات على الوجوه تغني عن أي تعليق ..
حفظ الله مصر و رعاها