سفينة المراقبة الأمريكية ليبرتي USS Liberty
حادث الإعتداء الإسرائيلي على السفينة الأمريكية "ليبرتي" يقدم دليل إضافي قاطع على التدخل الأمريكي السافر في حرب يونيو 1967 و علم الحكومة الأمريكية المسبق بنوايا إسرائيل العدوانية بل و القيام بدور مباشر في مساندة هذا الإعتداء كما يقدم دليل آخر على مدى الانحياز الأمريكي الكامل لإسرائيل مهما كانت العواقب حتى لو كان الثمن ضحايا من القتلى و الجرحي الأمريكيون.
صدرت الأوامر للسفينة "ليبرتي" في 23 مايو 1967 (قبل بداية حرب يونيو بأسبوعين) بالإبحار لتتخذ موقعها على بعد 25 ميل بحري شمال مدينة العريش بسيناء و كانت أولى مهامها هي التوجيه الملاحي للطائرات الإسرائيلية في هجومها الشامل على مطارات مصر الحربية .. انطلقت الطائرات الإسرائيلية من قواعدها صباح يوم الاثنين الخامس من يونيو و اتجه معظمها غرباً على ارتفاع منخفض فوق سطح البحر الأبيض المتوسط، و في غياب أي علامات ملاحية أو إرشادية كان لا يمكن لهذه الطائرات و هي تطير بسرعات عالية تحديد النقطة الأمثل للإنحراف يساراً و الإتجاه جنوباً نحو أهدافها داخل الأراضي المصرية (طائرة سرعتها 900 كيلومتر/ساعة تقطع مسافة كيلومتر في 4 ثواني فقط) فكان هذا هو دور السفينة "ليبرتي" التي كانت توجه الأسراب إلى اللحظة المناسبة للإتجاه جنوباً .. كان هذا هو الهدف الأول من مهمة السفينة، أما الهدف الثاني فكان التشويش على الرادارات المصرية و التصنت على الإتصالات بين القوات و الأطراف العربية و التشويش عليها و قطعها و ذلك حسب تطورات الموقف على مسرح العمليات الحربية.
بنهاية هذا الإعتداء كانت السفينة "ليبرتي" قد تعرضت للهجوم المباشر من سرب طائرات ميراج ثم سرب طائرات ميستير ثم ثلاثة زوارق طوربيد و تمت إصابتها بالصواريخ و القنابل و الطلقات الخارقة للدروع و قنابل النابالم بالإضافة إلى اصابة مباشرة من طوربيد بحري و استمر هذا الهجوم لمدة 75 دقيقة متواصلة تم في نهايته إحصاء أكثر من 800 إصابة مباشرة في مختلف أنحاء جسم السفينة بالصواريخ و بنيران المدفعية و الرشاشات .. أما عدد الضحايا فبلغ 34 قتيل من البحارة والضباط الأمريكيين و 171 جريح.
بنهاية حرب يونيو 1967 شكلت عدة لجان للتحقيق في أسباب هذا الإعتداء، و رغم وضوح اسم السفينة و علم الدولة ورغم أن الهجوم استمر لمدة 75 دقيقة متواصلة في وضح النهار و رغم أن السفينة لم تبادلهم إطلاق النيران و رغم أن الحرب كانت قد انتهت فعلياً على الجبهة المصرية إلا أن النتيجة التي توصلت اليها تلك اللجان هو أن الهجوم حدث نتيجة لخطأ في تحديد جنسية وهوية السفينة !!
لا يزال هذا هو الموقف الرسمي للحكومة الأمريكية من الحادث حتى اليوم و انتهى الأمر بإعتذار إسرائيل رسمياً عن هذا "الخطأ الغير مقصود" و دفع تعويضات مالية لأسر الضحايا بلغ مجموعها 6,8 مليون دولار، و من الغريب أن البحرية الأمريكية قررت عدم ضرورة إرسال لجان التحقيق إلى إسرائيل لإستجواب قادة الطائرات و أطقم زوارق الطوربيد الذين شاركوا في الهجوم كما أن الأحياء من طاقم السفينة منعوا من الإدلاء بأي أحاديث أو تصريحات عن الحادث لأي جهة من الجهات، و قد كشفت لجان التحقيق المستقلة أن حاملة الطائرات "ساراتوجا" التابعة للأسطول السادس الأمريكي كانت بالقرب من جزيرة كريت و أنها التقطت بالفعل إشارات الإستغاثة التي أطلقتها السفينة "ليبرتي" فلما قامت بإطلاق عدد من الطائرات لنجدتها و قد كانت على مدى نحو 20 دقيقة من السفينة أصدر لها وزير الدفاع الأمريكي روبرت مكنمارا أوامره بالعودة و عدم التدخل فلما تكرر الأمر مرة ثانية تدخّل مكنمارا مرة أخرى ليأمرها بالعودة مضيفاً أننا لن ندخل في حرب بسبب – على حد قوله – حفنة من البحارة القتلى"We are not going to war over a bunch of dead sailors" و لم يختلف رد فعل الرئيس الأمريكي جونسون كثيراً عن وزير الدفاع مضيفاً رفضه أن يتسبب هذا الحادث في "إحراج حلفائه" !!
و اليوم و رغم مرور أكثر من خمسين عاماً على هذا الحادث إلا أن التحقيق في أسبابه لا يزال مثاراً للبحث على مستويات عديدة وبالذات من أسر الضحايا .. و لا يزال السؤال يطرح نفسه و هو لماذا هذا الإعتداء؟ و هنا تعددت التفسيرات .. فمنها ما يزال يصر على أن الأمر لا يتعدى أخطاء صغيرة متتالية تراكمت فأدت إلى هذا الإعتداء .. و منها ما يشير إلى أن السفينة "ليبرتي" كانت قد التقطت رسائل بين الأطراف الإسرائيلية تشير إلى حدوث حوادث قتل جماعية للأسرى المصريين بأوامر من القيادات العسكرية الإسرائيلية فأرادت إسرائيل التخلص من الأدلة على كشف هذه الجرائم بالتخلص من السفينة .. أما أهم التفسيرات التي ظهرت فيما بعد فهي أن العملية بأكملها كانت خطة مدبرة مسبقاً و عرفت بإسم "Operation Cyanide" (انظر رابط الكتاب في نهاية هذا الفصل) تم الإعداد لها منذ شهور قبل بداية الحرب و كانت تهدف إلى التضحية بالسفينة "ليبرتي" و طاقمها بهدف إلقاء اللوم على مصر مما يوفر المبرر للولايات المتحدة أمام العالم لإعلان الحرب على مصر و إسقاط الرئيس جمال عبد الناصر و هذا التفسير يعززه عدة شواهد أولها ما ذكرناه عن منع حاملة الطائرات "ساراتوجا"من نجدتها و منها أن السفينة أُرسلت إلى منطقة عمليات عسكرية بدون أي حماية و منها أن هويتها و موقعها كانوا معروفين لإسرائيل بدليل قيام الطائرات الإسرائيلية بالتحليق فوقها عدة مرات في الأيام السابقة على الإعتداء عليها ومنها شهادة البعض أن الطائرات المغيرة كانت لا تحمل أي علامات مميزة و منها تأخر وصول سفن الأسطول السادس الأمريكي لنجدتها حتي السادسة من صباح اليوم التالي و أخيراً أن كافة الوثائق التي تشير إلى "العملية سيانيد" لا تزال محظورة من التداول.
يفضح هذا الحادث علم الحكومة الأمريكية مسبقاً بنوايا إسرائيل و إنحيازها الكامل لها مهما كان الثمن .. و لا يزال العديد من الجهات يسعون للكشف عن الحقيقة و يطالبون برفع الحجب عن الوثائق و المعلومات التي لا تزال محظورة عن التداول بما تحويه من أسرار لا تزال في طي الكتمان ..
الصورة للسفينة ليبرتي صباح اليوم
التالي للإعتداء عليها و قد مالت على
جانبها لأيمن.
رابط كتاب Operation Cyanide للصحفي البريطاني Peter Hounam نشر عام 2001
http://www.narrowbandimaging.com/incoming/Operation%20Cyanide%20by%20Peter%20Hounam%20(2003).pdf
التسلسل الزمني للوقائع و ما تلاها من أحداث
بحلول يوم الخميس 8 يونيو كانت الحرب قد انتهت فعلياً على الجبهة المصرية .. إلا أن السفينة "ليبرتي" فوجئت في الساعة الثانية من بعد ظهر هذا اليوم بسرب من طائرات الميراج الإسرائيلية ينقض عليها بدون أي تحذير و تطلق طائراته صواريخها على السفينة ثم تمسح سطحها بنيران المدافع 30 مم في دورات متتالية حتى نفذت ذخيرتها فإنسحب السرب ليحل محله سرب أخر من طائرات الميستير الإسرائيلية التي قامت بقصف السفينة بقنابل النابالم الحارقة ثم واصلت مسح سطح السفينة بمدافعها حتى اشتعلت النيران بمعظم أرجاء سطح السفينة وتحطمت هوائيات الاتصالات وصواري السفينة و قمرات السطح والخزانات .. وانسحب السرب ليتبعه في الثانية و النصف هجوم لثلاثة زوارق طوربيد إسرائيلية أطلقت خمسة طوربيدات على السفينة فأصاب أحدهم جانبها الأيمن و أحدث فتحة قطرها 12 متر ثم أخذت الزوارق تحوم حول السفينة و تمطرها بطلقات مدافعها ورشاشاتها والتي امتدت نيرانها دون تمييز حتى أنها أصابت قوارب الإنقاذ ورجالها الذين كانوا قد بدأو في إخلاء السفينة من طاقمها ..
و بعد مرور ساعة و ربع من الهجوم المتواصل على السفينة "ليبرتي" توقف القصف و إطلاق النيران في الساعة الثالثة و الربع وانسحبت زوارق الطوربيد .. و من المثير للسخرية أن نفس هذه الزوارق عادت بعد نحو ساعة لتعرض المساعدة إلا أن قائد السفينة رفض قبول مساعدتهم.