الإختراق الأول لميناء إيلات – إستطلاع
التاريخ: ليلة السبت 8/ الأحد 9 نوفمبر 1969
الهدف: تدمير "بات شيفع" سفينة انزال أليات و "بات يام" سفينة إنزال جنود
النتيجة: إستطلاع لعدم وجود سفن حربية بالميناء
الأبطال: الرائد رضا حلمى قائد لواء الوحدات الخاصة بالقوات البحرية – قائد العملية
الرائد مصطفى طاهر – قائد التدريب
المجند المهندس أسامة مطاوع – شئون فنية
الرائد سمير يوسف/النقيب على عثمان/النقيب عبد الله الشرقاوي – استطلاع و إعداد
ملازم أول عبد الرؤوف سالم/ العريف عبده مبروك – نقل المعدات
التنفيذ: المجموعة الأولى: ملازم أول عمر عز الدين/ الرقيب محمد العراقي
المجموعة الثانية: ملازم أول حسنين جاويش/ الرقيب عادل البطراوي
المجموعة الثالثة: ملازم أول نبيل عبد الوهاب/ الرقيب محمد فوزي البرقوقي
بعد عملية الإنزال الإسرائيلية في الجزيرة الخضراء يوم 19 يوليو 1969 ثم عملية الزعفرانة يوم 9 سبتمبر قررت القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية ضرورة القيام برد قوي مناسب يثبت للعدو أننا قادرون على تنفيذ عمليات مماثلة أعنف وأقوى و في عمق إسرائيل.
تقدم القائد الشاب للقوات البحرية العميد محمود عبد الرحمن فهمي (الذي عين خلفاً للفريق فؤاد أبو ذكري بعد عزله في 9 سبتمبر 1969 عقب أحداث الزعفرانة) بإقتراح أن يقوم رجال الضفادع البشرية بتنفيذ عمليات في عمق إسرائيل 1948 في مواني إيلات و حيفا و أشدود .. وافق الرئيس جمال عبد الناصر على الإقتراح و تم إختيار ميناء إيلات ليكون مسرح أولى العمليات لكونه مقر سفن الإنزال الإسرائيلية التي ساهمت في عملية الزعفرانة (تنفي المصادر الإسرائيلية اشتراك بات شيفع و بات يام في عملية الزعفرانة – انظر صفحة 65).
تم أولاً تكليف ملازم أول وسام حافظ ضابط الاستطلاع بالمخابرات الحربية (كبير مرشدى قناة السويس حالياً) بجمع المعلومات و استطلاع تحركات سفن الإمداد الإسرائيلية، فسافر إلى الأردن حيث استطاع تحديد وجود ثلاثة قطع بحرية إسرائيلية تتحرك من ميناء إيلات بالتناوب كل خمسة عشر يوم لإمداد قوات العدو المتمركزة فى شرم الشيخ و الطور وبلاعيم بالمؤن و الذخيرة، وهى "بات شيفع " و "بات يام " و "نتسانيم INS Nitsanim"، و اتجه التفكير مبدئياً إلى زرع ألغام بحرية فى طريق تلك السفن فى ميناء إيلات أو ميناء شرم الشيخ في خليج العقبة أو مدخل ميناء الطور على الضفة الشرقية لخليج السويس .. و في النهاية استقرت خطة الهجوم على أن يصبح الهدف ميناء ايلات أو ميناء شرم الشيخ وتجهيز فريقين للتنفيذ من لواء الوحدات الخاصة لتلغيم القطع البحرية ينطلق أحدهم من مدينة العقبة الأردنية للهجوم على ميناء إيلات الحربي و الأخر ينطلق من السويس للهجوم على ميناء شرم الشيخ و ذلك حسب تواجد الأهداف ليلة تنفيذ العملية .. و تم صرف النظر عن ميناء الطور.
يضيف العميد أ.ح. إسلام توفيق قاسم من رحال الصاعقة البحرية ثم المجموعة 39 قتال (نقيب بحري في ذلك الوقت) في كتابه (حرب الإستنزاف) الذي أعده بالإشتراك مع المراسل الصحفي العسكري عبده مباشر، أن الفريق محمد أحمد صادق رئيس الأركان قام بإستدعائه و سأله هل يمكن إغراق القطعة البحرية الإسرائيلية "بات شيفع" بإستخدام صواريخ أر بي جي؟ فكانت الإجابة لأ، فسأله كيف يمكن تنفيذ ذلك؟ فقال له يمكن ذلك بإستخدام الألغام البحرية و تثبيتها على الغاطس من القطعة البحرية و هي من الأعمال التي يجيدها لواء الوحدات الخاصة بالقوات البحرية .. و كان رد إسلام توفيق بمثابة الحسم للخلاف حول إختيار الوسيلة الأنسب لتنفيذ العملية.
قام الفريق محمد أحمد صادق بإستدعاء المرحوم البطل النقيب على عثمان بلتك الذي كان يقضي أجازة بالقاهرة و الذي كان يساهم في ذلك الوقت في تنشيط المقاومة الفلسطينية في الأردن (مع الرائد سمير يوسف و النقيب السيد الشرقاوي) و كلفه بمهمة إستطلاع طريق يؤدى الى تنفيذ عملية لهجوم الضفادع البشرية على ميناء إيلات و نبه عليه بسرية مهمته تنبيهاً شديداً و على عدم ابلاغ أي زميل له بطبيعة مهمته بما في ذلك قائد مكتب الملحق العسكري المصري بالأردن حتى أنه أضاف "حتى لو وقفت قدام المراية ما تكلمش نفسك عنها" ثم أن يرسل تقريره اليه بصفة شخصية.
وصل النقيب على عثمان إلى الأردن في 25 أكتوبر 1969 و استعان بدليل أردنى لدراسة الموقع و جمع معلومات عن جغرافية المكان و تحرك بسيارة جيب لاندروفر الى منطقة معان جنوب الأردن في طرق صحراوية و جبلية بين الحدود السعودية و الأردنية راكباً تارة و مترجلا تارة اخرى، ثم قام بإعداد تقرير الإستطلاع مدعماً برسم كروكي يوضح الطريق المناسب للتحرك مع إضافة النقاط الإرشادية و تحديد منطقة التجهيز و منطقة الإنطلاق و منطقة الملاحظة و توقيتات التحرك و خطة التأمين و التمويه و كل ما يلزم لتحقيق نجاح العملية من تجهيزات ثم أرسل التقرير عن طريق الحقيبة الدبلوماسية في ظرف مغلق سري و خاص بإسم السيد رئيس الأركان.
أما الفريق محمود فهمى (عميد أنذاك) قائد القوات البحرية فيذكر في مذكراته (صفحة من التاريخ) أنه استدعى الرائد رضا حلمي و كلفه بضرب و إغراق ثلاث سفن إنزال إسرائيلية بميناء إيلات و هي السفن "بات شيفع" و "بات يام" و "بات جليم INS Bat Galim" .. جلسوا أمام خريطة لدراسة كيفية إيصال الأفراد و المعدات و السلاح و تم استبعاد استخدام الهليكوبتر أو الغواصات لعدة عوائق لا يمكن التغلب عليها و لم يتبقى من سبيل سوى الوصول براً عن طريق الأردن.
قرر العميد محمود فهمي أن يرسل الرائد رضا حلمى الى ميناء العقبة بالأردن لكي يستطلع المكان ويدرس المنطقة ويعاين ميناء ايلات على الطبيعة و الذى لا يبعد عن ميناء العقبة بأكثر من خمسة كيلومترات و لكي يتعرف على الظروف هناك و على الشخصيات التى قد تساعده فى تأدية مهمته و أرسله برسالة منه إلى اللواء محمد صادق رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة بالقاهرة الذي حوله إلى إدارة المخابرات الحربية و التى دبرت سفره إلى عمان و يضيف إسلام توفيق في كتابه (حرب الإستنزاف) انه رافق الرائد رضا حلمي في هذه المهمة.
كانت زيارة رضا حلمي و إسلام توفيق تحت ستار أنهم ضباط إشارة يقومون بالتفتيش على أجهزة نقطة المراقبة البحرية المصرية الموجودة بجوار ميناء العقبة منذ عام 1967 (أغلقت النقطة أوائل عام 1972 بعد قطع العلاقات الدبلوماسية مع الأردن) و تم في عمان التعرف على بعض أفراد منظمة فتح الفلسطينية الذين كانوا عوناً كبيراً فيما بعد على تهريب معدات وأسلحة الضفادع البشرية المصرية إلى داخل الأردن بدون علم السلطات الاردنية و كان لهم دور كبير في نجاح العملية (و العمليات التالية) كما التقوا بالرائد ابراهيم الدخاخنى ضابط المخابرات بمكتب الملحق العسكرى بالسفارة المصرية بعمان للتنسيق معه، ثم سافروا بعد ذلك الى العقبة حيث قاموا بإستطلاع جيد للمنطقة حتى جنوب العقبة بالقرب من الحدود الأردنية السعودية و كذلك طرق الاقتراب غير التقليدية الى ميناء العقبة من اتجاه الحدود العراقية الأردنية واستغرقت تلك المهمة ثلاثة أيام.
عاد الرائد رضا حلمي الى الإسكندرية بمحصول ضخم من المعلومات والصداقات وبدأ على الفور فى تدريب الأفراد تدريباً مركزاً وفى ظروف تشابه ظروف تنفيذ العملية في ميناء ايلات، و فى نفس الوقت بدأ تجهيز المعدات والألغام اللازمة لتنفيذ العملية، و يضيف البطل نبيل عبد الوهاب في كتاب (وحوش البحر صفحة 27) ".. الرائد رضا حلمي جمع معلومات كثيرة وعندما عاد من الأردن أوضح لقائد القوات البحرية أن العملية ليست بالصعوبة المتوقعة مما جعله أكثر إقتناعاً بتنفيذها".
و بعد تمام الاستعداد – و بعد أن اطمئن العميد محمود فهمي إلى مستوى تدريب الأفراد – و بعد إجراء الإتصالات مع بعض مندوبينا بالأردن بواسطة المخابرات الحربية بدأ التحرك للتنفيذ و تحدد لذلك يوم السبت 8 نوفمبر 1969 كما تقرر أن يتم في نفس الليلة هجوم أخر بواسطة المدمرات البحرية لقصف مواقع عسكرية على سواحل سيناء الشمالية في رمانة وبالوظة لكي تصل الرسالة أننا قادرون على الوصول إلى أي مكان شمالاً و جنوباً و في نفس الوقت.
كانت هناك عقبة أساسية يجب التعامل معها بحرص تام و هي تنفيذ العملية من أراضي الأردن دون علم السلطات الأردنية، فمن المعلوم أن ميناء العقبة يمثل أهمية حيوية للأردن لكونه المنفذ البحري الوحيد للبلاد و كان رجال المقاومة الفلسطينية قد قاموا بعدة هجمات بالصواريخ الكاتيوشا على مدينة إيلات الإسرائيلية من مدينة العقبة الأردنية فقامت إسرائيل بمحاصرة ميناء العقبة الأردني و منع السفن من الدخول اليه أو الخروج منه كوسيلة للضغط على الأردن لمنع هذه الهجمات، لذلك قامت السلطات الأردنية بحظر دخول مدينة العقبة إلا لسكانها أو العاملين بها لمنع تكرار هجمات المقاومة الفلسطينية و أقيمت نقاط التفتيش على الطرق لضمان الإلتزام بهذا الحظر.
لذلك تم التنسيق بين مكتب الملحق العسكري بالسفارة المصرية بعمان و منظمة فتح الفلسطينية دون علم السلطات الأردنية، و تم إرسال المعدات والألغام بصحبة ثلاثة من أفراد الضفادع البشرية وهم المجند المهندس أسامة مطاوع والملازم أول بحري عبد الرؤوف سالم و العريف عبده مبروك الذين وصلوا إلى مطار (H3) بالعراق قرب الحدود الأردنية على احدى طائرات النقل المصرية من طراز أنتونوف على أنهم أفراد من منظمة فتح و أن الصناديق التى معهم معدات خاصة بمنظمة فتح وكان ذلك فى اليوم الثانى من نوفمبر 1969 حيث استقبلهم أفراد قوات عين جالوت الفلسطينية ثم انتقلوا جميعا بالسيارات مع معداتهم برفقة ضابط صف من مكتب اتصال عمان الى قاعدة قوات عين جالوت ببلدة الطفيلة بالأردن حيث تجمعوا انتظاراً لوصول باقى أفراد الضفادع البشرية من القاهرة.
غادر باقي الأفراد القاهرة إلى عمان مباشرة بالطريق الجوى العادى على دفعتين يومى 3 و 4 نوفمبر و كان كل منهم يحمل جواز سفر مدني به بيانات شخصية غير حقيقية و تأشيرة دخول تذكر أن غرض الزيارة للسياحة، و أقاموا لثلاثة أيام بعمان فى منزل تابع للسفارة المصرية هناك.
كانت العملية محاطة بالسرية التامة فلم يعلم أي فرد بدوره إلا في اللحظة الأخيرة، و من كتاب "أبطال من مصر" يقول البطل نبيل عبد الوهاب :"في أحد ليالي نهاية شهر أكتوبر كنا نحن المجموعات الثلاثة (ثلاثة ضباط و ثلاثة صف ضباط) نخدم في نوبتجية واحدة و بالطبع أعتقدنا أنها صدفة، و بينما نحن نتسامر معاً أثناء الليل قام قائد اللواء الرائد رضا حلمي بإرسال جندي المراسلة لإستدعاء البطل عمر عز الدين فذهب عمر اليه و لم يعد .. و بعد دقائق تم إستدعاء البطل حسنين جاويش فذهب هو أيضاً و لم يعد .. و بعد دقائق أخرى تم استدعائي فذهبت لأجد سيارة نقلتنا جميعاً إلى مدرسة المخابرات في الزيتون بالقاهرة حيث مكثنا لمدة ثلاثة ايام دون أن يقول لنا أحد شئ و في اليوم الأخير تم تصويرنا و في صباح اليوم التالي تم تسليمنا جوازات سفر بهويات مزيفة و تذكرة سفر إلى عمان بالأردن كل ده و احنا مش فاهمين حاجة، احنا كان كل تدريبنا إننا نروح نهاجم في أشدود أو حيفا في البحر المتوسط لكن ما فكرناش في إيلات .. وصلنا عمان و انتظرنا ثلاثة أيام حتى وصلت المعدات من العراق و هنا فقط تم إبلاغنا بتفاصيل العملية المطلوب تنفيذها".
أما المجند المهندس أسامة مطاوع فيقول" تم تكليفي بإعداد و تجهيز قائمة دون توضيح الغرض منها و كانت تضم معدات وملابس و أدوات غطس و زورق زودياك بالمحرك و ألغام بحرية و قمت بتجهيز المعدات و الأدوات المطلوبة و اختبارها مع توفير قطع الغيار و العدد اللازمة ثم صدر لي الأمر بنقلها إلى مقر المخابرات الحربية بحلمية الزيتون .. و في يوم 2 نوفمبر صدر لي الأمر أنا و الملازم أول عبد الرؤوف سالم و الرقيب عبده مبروك بالإستعداد للسفر و انتقلنا إلى مطار القاهرة الدولي القديم (ألماظة) و سافرنا بالمعدات إلى العراق حيث هبطنا بمطار H3 على الحدود الأردنية العراقية و استقبلنا الرائد سمير يوسف و من هناك انطلقنا بسيارة نقل حتى وصلنا إلى عمان بعد منتصف الليل لنتقابل مع على عثمان و عبد الله الشرقاوي و قمنا بالمبيت في طفيلة حيث قمت بالكشف على المعدات و الإطمئنان على سلامتها .. بعد بضعة أيام صدر لنا الأمر بالتحرك فجر يوم الجمعة 7 نوفمبر و انتقلنا بسيارات جيب بصحبة النقبب على عثمان و الرائد سمير يوسف والنقيب عبد الله الشرقاوى و ملازم اول فلسطينى فاخر النحال حيث تقابلنا لأول مرة مع مجموعة الأفراد في السابعة صباحاً ثم انطلقنا جميعاً عبر طرق جانبية حتى وصلنا إلى موقع تنفيذ العملية".
يقول النقيب على عثمان في روايته للأحداث: " تقابلت مع الرائد ساهر لاشين و الرائد سمير يوسف و أوضحت لهما مكان تجمع المجموعة التى تحمل أفراد العملية من عمان و معهم الرائد ساهر لاشين مع المجموعة التى تحمل معدات العملية من الطفيلة و معهم الرائد سمير يوسف و تحدد لذلك فجر يوم الجمعة 7 نوفمبر كما قمت بتجهيز اللباس العربى ( الجلباب و العقال) لجميع الأفراد المشتركين فى العملية.
تحركت بسيارتي اللاندروفر بمرافقة عربة نقل المعدات بصحبة الرائد سمير يوسف و النقيب عبد الله الشرقاوى و ملازم اول فلسطينى فاخر النحال و ملازم أول عبد الرؤوف سالم و المجند مهندس أسامة مطاوع و ضابط صف أبو هانى من قوات مجموعة عين جالوت جتى وصلنا إلى نقطة التجمع .. أما مجموعة الأفراد فقد تحركت في الثالثة من فجر الجمعة 7 نوفمبر بقيادة الرائد ساهر لاشين بعربة ميكروباص متجهين إلى نقطة التجمع و متخذين لطريقهم مدقاً جانبياً متفرعاً عن الطريق الرئيسى لمدينة عمان بمدخل الشبك جنوب الاردن.
و في السابعة و النصف صباحاً كانت مجموعة الأفراد قد التقت بمجموعة المعدات، فلما قام الرائد ساهر لاشين بتقديمي لهم تحت اسمي الحركى (أبو رأفت ) ضحك الجميع فقد كان الرائد ساهر يجهل سابق معرفتنا بعضنا ببعض (عمر عز الدين و حسانين جاويش) حيث كنت معلمهم بفرقة معلمى الصاعقة بمدرسة الصاعقة.
قام الجميع بارتداء الملابس العربية و أعطيت تعليمات التحرك و انطلقوا على الطريق لمسافة حوالى 25 كيلومتر حتى وصل الجميع حوالي الحادية عشرة من صباح الجمعة الى منطقة التجهيز و الراحة و التى تبعد حوالى 5 كيلومترات عن الشاطئ بعد رحلة طويلة استغرقت أكثر من سبع ساعات و تم تأمين المنطقة بواسطة النقيب عبد الله الشرقاوي و إجراء عمليات الإخفاء و أخذ الجميع قسطاً كبيراً من الراحة استعداداً لليوم التالي.
في الرابعة و النصف من بعد ظهر اليوم التالي السبت 8 نوفمبر تحركت القوة الى نقطة الإنزال الموضحة فى خطة الإستطلاع على الحدود الأردنية السعودية بين موضع الدوريات الأردنية و الدوريات السعودية، و كانت الخطة تقضى بتوصيل ثلاث مجموعات من الضفادع البشرية بواسطة زورق مطاط زودياك بمحرك خارجى و كل مجموعة تتكون من ضابط و صف ضابط حتى مسافة نحو كيلومتر من أرصفة ميناء إيلات ثم تستكمل المجموعات طريقها سباحة داخل الميناء و يقوم كل فرد بتثبيت اللغم الذى يحمله أسفل السفينة المخصصة له كهدف و أن الزورق الزودياك سوف ينتظر فى نفس المكان ما بين الساعة الثانية عشرة و النصف حتى الواحدة من صباح اليوم التالي الأحد 9 نوفمبر لإلتقاطهم بعد إنتهاء العملية كما تم الاتفاق على أنه إذا حدث أى طارئ يوجب التغيير بأن لا يتمكن أحد الأفراد من الإهتداء إلى موقع الزورق الزودياك أو أن يضطر الزورق إلى تغيير مكانه أو أن تتأخر إحدى المجموعات عن الميعاد المحدد فعلى هذا الفرد أو تلك المجموعة أن تتجه إلى الشاطئ الأردني و تسلم نفسها للسلطات الأردنية و كان الرائد ابراهيم الدخاخني بمكتب الملحق العسكرى بعمان ينتظر في ميناء العقبة للتدخل في مثل هذه الظروف و كان قد تم تلقين القوة قصة ليذكروها للسلطات الأردنية في هذه الحالة فحواها أنه تم إسقاطهم بالهليكوبتر في طابا و أن الهليكوبتر لم تعد لإلتقاطهم .. و في التوقيت المحدد انطلق أبطال الضفادع البشرية فى قاربهم متجهين الى ميناء ايلات.
و عاد باقي الأفراد – النقيب على عثمان و الرائد مصطفى طاهر والرائد سمير يوسف – إلى حيث اعتلوا تبة مرتفعة كمنطقة مراقبة لتبادل الإشارات مع قوة الضفادع أثناء التحرك ذهاباً واياباً بينما كان النقيب عبد الله الشرقاوى و ملازم اول عبد الرؤوف سالم و ملازم اول الفلسطينى فاخر النحال فى منطقة التجهيز و الانتظار.
بعد انطلاق القارب الزودياك بفترة قصيرة حدث عطل بالمحرك استغرق نحو أربع ساعات لإصلاحه مما نتج عنه تأخر جدول تنفيذ العملية بما قد لا يتيح للقوة العودة في أمان إلا أن الرائد رضا حلمي قائد العملية أصر على الاستمرار في التنفيذ ولكن عند وصولهم قرب ميناء إيلات لم يجدوا أي مراكب حربية فعادوا إلى نقطة الإلتقاط".
أما ماحدث داخل الميناء فيرويه البطل نبيل عبد الوهاب في كتاب (أبطال من مصر) فيقول : "وصلنا على بعد نحو 300 متر من أرصفة ميناء إيلات بس حظنا وحش اننا ما لقيناش مراكب حربية علشان نلغمها فأصابنا إحباط شديد و كان القائد بتاعنا المرحوم الرائد رضا حلمي معانا و هو اللي سايق الزودياك و قال لنا معلهش تتعوض و قال لنا نعتبرها تدريب بس بدل ما بنتدرب في ميناء أبو قير بنتدرب في ميناء إيلات و بقينا نتمشى في ميناء إيلات و لا شفنا جندي اسرائيلي سوبر و لا حاجة و قعدنا نتعرف على الميناء زي ما عرفونا عليه من الصور و هنا محطة كهرباء و هنا نايت كلوب عليه نور بينور و يطفي علشان نتمكن من تحديد اتجاهاتنا بالليل .. و كنا فى منطقة هادئة فى ركن من الميناء و اذا بلنش إسرائيلى فى مقدمته مدفع و كشاف مسلط علينا و نحن على بعد أمتار منه .. و بفعل المفاجأة مال قاربنا المطاطى فوجدناه متجه نحو لنش العدو .. ما حدث وقتها لا يصدقه عقل إذ وجدنا اللنش الاسرائيلى يطفىء الكشاف و يطفىء حتى أنواره الملاحية و بلغ فرار! لماذا فعل هذا و كنا بالنسبة له صيدا ثميناً ؟ الله اعلم.. و رجعنا على أساس ان نعيد العملية مرة اخرى" و يعلل المجند المهندس أسامة مطاوع ما حدث فيقول "أن ضوء الكشاف لم يكن مسلط علينا تحديداً بل مر علينا و هو يمسح المنطقة و لكن يبدو أنهم كانوا يستعدون للعودة في نهاية دوريتهم فلم ينتبهوا لوجودنا و هو ما يفسر إطفاء الأنوار و الدوران للخلف للعودة".
وقبل بزوغ أول ضوء من فجر الأحد 9 نوفمبر كان القارب قد عاد بالأفراد دون تنفيذ المهمة و تسبب عطل آخر لمحرك الزودياك في انحرافهم ناحية الشاطئ السعودي فأضطروا إلى التجديف حتى يعودوا إلى نقطة الإنزال .. وتمت العودة الى منطقة التجهيز و تغيير الملابس و ارتداء الملابس العربية و إعادة تحميل المعدات و العودة بها الى قاعدة الطفيلة و العودة بالأفراد الى مدينة عمان بالاردن.
جلس الأفراد في المنزل التابع للسفارة المصرية في عمان يستعيدون ما حدث في الليلة الماضية و يحللون تفاصيل كل المواقف التي مرت بهم فتبين لهم ضرورة وجود محرك احتياطي و كذلك بعض قطع الغيار الضرورية كما يلزمهم الإلتزام بالتوقيتات بما يسمح بتنفيذ العملية بأمان في كنف الظلام.
يذكر أنه كانت هناك ثلاثة مجموعات مماثلة من الأبطال عمرو البتانوني و رامي عبد العزيز و محمود سعد و على أبو ريشة و فتحي محمد علي و محمد المصري تنتظر في ميناء السويس لتنفيذ العملية في حالة تواجد الأهداف بميناء شرم الشيخ.
عاد الرائد رضا حلمى الى الإسكندرية لتقديم تقرير بما حدث و لتذليل المصاعب من حيث توفير بعض المعدات الأخرى وتنسيق الحصول على المعلومات عن الأهداف العسكرية بميناء ايلات من خلال نقطة المراقبة المصرية بالعقبة (حيث يوجد الرائد ابراهيم الدخاخنى) و مع ادارة المخابرات الحربية بالقاهرة من خلال توفير اشارة تفيد بوجود الأهداف العسكرية فى ميناء ايلات من عدمه لتفادي فشل المهمة لغياب الأهداف.
يضيف العميد بحرى محمود فهمى قائد القوات البحرية فى كتابه (صفحات من التاريخ) : "قرر الرائد رضا أن يعود الى الإسكندرية لإحضار ماكان يلزمهم من معدات وقطع غيار وجاءنى صباحاً متجهم الوجه يقص علي ما حدث فى أسى وحسرة و تلقيت الأخبار فى هدوء و الغيظ يكاد يقتلنى من الداخل و قلت له: كيف تكون قاب قوسين أو أدنى من سفينة إسرائيلية ثم لا تضربها لتغرقها؟ فقال: لم توجد بالميناء سفينة واحدة حربية تصلح أن تكون هدفاً لى فقلت له: ألم تكن هناك سفن اخرى ؟ فقال: نعم و لكن تعليماتك لى كانت بضرب السفن الحربية فقط، قلت له: هذا مايجب ان أقوله أنا من مكانى هذا و لكنك أنت المنفذ ألا تستطيع ان تخطىء؟ فتسأل: و هل الخطأ مسموح به؟ فرددت عليه: طبعاً .. فى الليالى المظلمة يتعذر التمييز بين سفينة و أخرى إلا أنها جميعاً إسرائيلية طالما حملت العلم الإسرائيلي، ألم يضربوا عن عمد سفننا التجارية فى ميناء السويس بالمدفعية؟ أما أنت فإذا ضربت إحدى سفنهم التجارية فسوف يكون بطريق الخطأ اذهب و لا تعد إلا و قد انفجرت الألغام الستة التى معك فى قلب إسرائيل .. وخرج من عندى كأنه يريد ان يسابق الريح لكى يصل إلى عمان حيث ترك مجموعته و معه باقى المعدات المطلوبه".