top of page

حرب الإستنزاف

 

لو لم تكن حرب الإستنزاف لما كانت هناك حرب أكتوبر/ رمضان المجيدة

يقسم الخبراء العسكريون مراحل المواجهة مع إسرائيل بعد يونيو 1967 على النحو التالي:

  • مرحلة الصمود (يونيو 1967 إلى أغسطس 1968) و الهدف منها سرعة إعادة البناء، و وضع الهيكل الدفاعي عن الضفة الغربية لقناة السويس.

  • مرحلة الدفاع النشط (سبتمبر 1968 إلى فبراير 1969) تم خلالها تنشيط الجبهة و الاشتباك بالنيران مع القوات الإسرائيلية لتقييد حركتها في الخطوط الأمامية على الضفة الشرقية للقناة وتكبيدها قدراً من الخسائر في الأفراد والمعدات و بدء عمليات دوريات الإستطلاع و الإغارة خلف خطوط العدو.

  • مرحلة الاستنزاف (مارس 1969 إلى أغسطس 1970) تصعيد المواجهة العسكرية من خلال تكثيف عبور القوات الخاصة لقناة السويس و الإغارة على القوات الإسرائيلية في العمق لتكبيد العدو أكبر قدر من الخسائر في الأفراد والمعدات ولرفع الروح المعنوية، و انتهت المرحلة بقبول مصر لوقف اطلاق النار.

 

انتهت حرب الاستنزاف(*) في الثامن من أغسطس 1970 بقبول الطرفين لمبادرة وزير الخارجية الأمريكي ويليام روجرز التي أطلقها في التاسع عشر من يونيو 1970 و التي تنص على وقف اطلاق النار بين الطرفين لمدة 90 يوم و أن يدخل الطرفان في مفاوضات جديدة لتنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم 242 لعام 1967.

*(تطلق بعض المصادر اسم حرب الإستنزاف على الفترة بأكملها منذ يونيو 1967 حتى قبول مبادرة روجرز لوقف إطلاق النار، كما يطلق الإسرائيليون عليها اسم حرب الألف يوم).

و كانت إسرائيل قد رفضت المبادرة عند طرحها و التزمت مصر الصمت حتى أعلن الرئيس جمال عبد الناصر قبول مصر للمبادرة في 23 يوليو 1970 فرقص ليلتها الإسرائيليون فرحاً في شوارع تل أبيب ابتهاجاً بتوقف القتال(*) و وافقت الأردن في 26 يوليو و أخيراً وافقت إسرائيل في 6 أغسطس ليبدء وقف اطلاق النار في الثامن من أغسطس 1970.

*(خسرت إسرائيل أكثر من 2,600 قتيل – بينهم 40 طيار – و 7,000 جريح خلال حرب الإستنزاف و هي خسائر أكبر من خسائرهم في حرب يونيو 1967 – خطاب مناحم بيجين بالمصادر).

أحدث قبول مصر و الأردن للمبادرة انشقاقاً في الصف العربي حيث رفضته سوريا و العراق و منظمة التحرير الفلسطينية بينما وقفت السودان و الجزائر في موقف محايد، و عقب وفاة الرئيس جمال عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970 تم في عهد خليفته الرئيس محمد أنور السادات تجديد وقف اطلاق النار لفترة ثانية مماثلة انتهت في الرابع من فبراير 1971 ثم قامت مصر منفردة بالإعلان عن استمرار وقف إطلاق النار من جانبها لمدة 30 يوم انتهت في 7 مارس 1971 أعلنت مصر عقبها عدم تقيدها بوقف إطلاق النار.

  • مرحلة التمهيد و الإعداد للحرب (أغسطس 1970 إلى أكتوبر 1973) و هي المرحلة التالية للمراحل الثلاثة السابقة والتي تم فيها إستكمال إعداد و تدريب القوات المسلحة و وضع الخطط التفصيلية للهجوم على الضفة الشرقية و إقتحام خط بارليف.

كان للمواجهات المباشرة الأولى للمقاتل المصري مع العدو في الفترة القصيرة التي أعقبت هزيمة يونيو 1967 (رأس العش أول يوليو – الاشتباكات الجوية 14 و 15 يوليو – القصف المدفعي 20 سبتمبر – إغراق المدمرة "إيلات" 21 أكتوبر) أكبر الأثر في رفع الروح المعنوية للجندي المصري الذي أثبت أن الهزيمة لم تكن من صنعه فزالت مشاعر اليأس و الإحباط ليحل محلها مشاعر إستعادة الثقة بالنفس و الإصرار على الثأر و رد الكرامة.

بدأ في نفس الوقت إنشاء و تكوين وحدات الخط الدفاعي الأول غرب القناة و استكمالها إلى تشكيلات ميدانية مترابطة ومتماسكة ثم تلى ذلك دوريات الإستطلاع خلف خطوط العدو للإستكشاف و تحديد مواقع الأهداف لكي تقوم المدفعية بقصفها ثم تطورت مهام تلك الدوريات إلى القيام بعمليات إغارة على مواقع العدو و استمر ذلك طوال عام 1968 مما سبب للعدو إزعاج شديد من توالي نجاح تلك العمليات و أبرزها عملية لسان بور توفيق في ليلة 9\10 يوليو 1969 حيث نجحت قوات الكتيبة 43 صاعقة أن تفاجئ العدو وتدمر قواته و معداته بالكامل دون خسائر تذكر في الجانب المصري .. و من الجدير بالذكر و الإشادة هنا أن الفضل الأكبر في الحفاظ على الهيكل العام للجيش المصري يرجع إلى القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول محمد أمين فوزي (1915-2000) الذي حل محل المشير عبد الحكيم عامر يوم 11 يونيو 1967، و الذي كان يتمتع بالكفاءة العسكرية و الإنضباط و الشدة (أقيل من منصبه عقب أحداث 15 مايو 1971 و وضع تحت الإقامة الجبرية حتى تم "العفو" عنه عام 1974).

دفعت هذه التطورات العدو إلى الرد بعمليات إنزال بواسطة ناقلات الجنود و الآليات على المناطق المعزولة على الضفة الغربية لخليج السويس في حماية الغطاء الجوي الإسرائيلي فتقوم الناقلات بالإنزال على الشواطئ المصرية و يقوم الجنود بالدخول لأي منطقة عسكرية و الاشتباك و أسر رهائن و نهب معدات كما كانت طائرات العدو تعربد في عمق مصر بلا تفرقة بين الأهداف العسكرية أو المدنية (بحر البقر، أبو زعبل، نجع حمادي و غيرها ..) و اشتركت في تلك العمليات سفينتان ناقلتان للإبرار و الإنزال كانت الولايات المتحدة قد زودت القوات الإسرائيلية بهما في أوائل عام 1968، إحداهما سفينة إنزال للآليات من دبابات أو مدرعات هي "بات شيفع INS Bat Shiva" و الأخرى سفينة إنزال للجنود هي "بات يام INS Bat Yam ".

و من أشهر تلك العمليات عملية الجزيرة الخضراء (Operation Bulmus 6) في 19 يوليو 1969 و هي جزيرة صغيرة تقع على بعد 4 كيلومتر جنوب مدينة السويس مساحتها نحو سبعة ألاف متر مربع بها محطة رادار و محطة تنصت و عدد من المدافع المضادة للطائرات و يعمل على تشغيل ذلك أطقم من نحو 100 جندي إشارة و دفاع جوي و مشاة و مدنيين يقيمون في حصن من ثلاثة طوابق من المخابئ الخرسانية .. و قد قامت قوة من القوات الخاصة الإسرائيلية تقدر بنحو 40 فرد بالهجوم على الجزيرة بهدف تدمير محطة الرادار و محطة التنصت و وسائل الدفاع الجوي إلا أنها واجهت مقاومة عنيفة وانسحبت بعد أن فقدت نصف القوة المهاجمة كما تكبد الجانب المصري أيضاً عدداً من الضحايا.

تلى ذلك في الأهمية عملية الزعفرانة(*) (Opration Raviv) حيث كانت إسرائيل قد استولت على عدد من الدبابات السوفيتية تي 55 من مخلفات الجيش المصري في حرب يونيو 1967، و استخدمت إسرائيل ستة من تلك الدبابات في عملية إنزال يوم 9 سبتمبر 1969 لقوة من نحو 100 جندي إسرائيلي متنكرين في زي جنود مصريين و تم إنزالهم بواسطة ثلاثة ناقلات (تشير المصادر الإسرائيلية إلى أنهم قيصرية و شيكمونا و عتسيون غبر و لا تذكر بات شيفع أو بات يام بعكس المصادر المصرية) في منطقة أبو الدرج على بعد 40 كيلومتر جنوب مدينة السويس في نقطة تمركز بحرية بها لنشي طوربيد مصريين (حرصت الضفادع البشرية الإسرائيلية على تدميرهم قبل بداية الإنزال) ثم اتجهت القوة الإسرائيلية جنوباً إلى الزعفرانة مستغلة استخدامها للدبابات المصرية التي استولت عليها و تنكرها بالزي العسكري المصري في منطقة تخلو تماماً من أية قوات عسكرية سوى بعض نقاط المراقـبة و مدمرةً في طريقها كل الأهداف والسيارات المدنية، كما قامت بتدمير محطتي رادار و تدمير نقاط الحراسة التابعة للجيش المصرى كما قتل محافظ البحر الأحمر (المرحوم اللواء حسن كامل محمد) الذى تصادف وجوده بالمنطقة، وقتل ركاب أتوبيس عمال برأس غارب.

operation raviv.jpg

كانت تلك العملية هي الأكبر لإسرائيل على الإطلاق و أطلق عليها عدة أسماء استعراضية مثل "حرب العشر ساعات" و "إسرائيل في أفريقيا" و تم الإعداد لإستغلالها إعلاميا حيث رافقها طاقم تصوير قام بتسجيل الأحداث لإعداد فيلم عن العملية لعرضه لأغراض الدعاية في إسرائيل و في الخارج.

و رغم أن الإغارة لم يكن لها مردود عسكري مؤثر، إلا أن رد الفعل في القيادة العامة المصرية كان شديداً لتحديد مسئولية عدم اكتشاف قوة الإغارة عند إنزالها، و مسئولية عدم اتخاذ إجراء إيجابي قوي لمواجهتها رغم بقائها لساعات طويلة و كان من نتيجتها إعفاء الفريق أحمد اسماعيل رئيس الأركان من منصبه و إعفاء الفريق فؤاد أبو ذكري قائد القوات البحرية من منصبه.

* (تخلط بعض المصادر بين عملية الزعفرانة و عملية الديك فتذكر أن الإستيلاء على وحدة الرادار تم في عملية الزعفرانة والصحيح أنه تم في عملية الديك).

ثم عملية الديك (Operation Rooster 53) ليلة الجمعة 26 ديسمبر 1969 حيث اتجهت ثلاثة مروحيات تحمل 66 جندي اسرائيلي هبطوا في رأس غارب بمنتصف الضفة الغربية لخليج السويس حيث نجحوا في تفكيك و نقل وحدة رادار سوفيتية من طراز بي-12 و الإستيلاء عليها.

و أخيراً نذكر عملية جزيرة شدوان (Operation Rhodes) فجر يوم الخميس 22 يناير 1970 حيث هاجمت القوات الإسرائيلية الجزيرة بواسطة الناقلتين "بات شيفع" و "بات يام" تحت حماية غطاء جوي و هي جزيرة مساحتها نحو 70 كيلومتر مربع و تقع على بعد 35 كيلومتر شمال شرق الغردقة أمام مدخل خليج السويس و كثيراً ما كانت نقطة انطلاق لمجموعات المخابرات الحربية والصاعقه المصرية للاغارة علي جنوب سيناء و من بينهم المجموعة 39 قتال بقيادة البطل الشهيد ابراهيم الرفاعي لذلك كان الغرض من الهجوم هو احتلال الجزيرة و حرمان القوات المصرية من مميزات موقعها.

كان بالجزيرة فنار لإرشاد السفن و رادار بحري يديره مجموعة من المدنيين و معهم قوة صغيرة من رجال الصاعقة المصرية وهبطت القوة الإسرائيلية شمال الجزيرة و بدأت في الزحف جنوباً فتصدت لهم القوات المصرية و أعاقت تقدمهم رغم تفوقهم العددي و توفر الغطاء الجوي لهم إلا أن الإمدادات العسكرية المصرية بدأت في الوصول إلى القوات المصرية بمعاونة المواطنين المصريين من الغردقة و بنهاية يوم الجمعة 23 يناير و بعد 36 ساعة من القتال المتواصل و سقوط عدد كبير من القتلى من الجانبين انسحبت القوة الإسرائيلية بعد فشلها في احتلال الجزيرة و معها عدد من الأسرى المدنيين و العسكريين واستولت على كمية كبيرة من الذخيرة و المعدات حملوها على سطح الناقلة "بات شيفع" .. و كان لصمود المقاتلين المصريين رغم الخسائر التي منوا بها و دفاعهم عن الجزيرة رغم التفوق العددي و الكمي للعدو أكبر الأثر و التقدير من الجميع .. و في اليوم التالي و بدلاً من الكاريكاتير اليومي المعتاد لصلاح جاهين بجريدة الأهرام كتب مايلي:

يا مفتحين العين كلامي يسركم                    و يا غفلانين نشوا على الدبان

و لا كل من لها خارطة قال انا بلد                   الرك على المدنية و العمران

و عمار يا مصر عمار بنيلك و بأمتك                  عمار بأفراحك و بالأحزان

آدي اللي دم الجندي على الصخر أثبته           بحروف من نار في نهار شدوان

 

و أصبح يوم 23 يناير هو عيد محافظة البحر الأحمر بعد ذلك.

08001.jpg

كانت تلك أهم عمليات الإنزال الإسرائيلية خلال حرب الاستنزاف و يلاحظ أنها وقعت في نقاط معزولة إما جزر وإما نقاط على الضفة الغربية لخليج السويس يغيب عنها أية حماية عسكرية قوية، بينما في المقابل كانت كل العمليات المصرية خلف خطوط العدو ووسط تحصيناته العسكرية القوية و لم تستهدف أيه مواقع مدنية وشاركت فيها القوات البرية و الجوية و البحرية بقوة وضراوة كبدت العدو خسائر فادحة و رفعت من معنويات الجيش و الشعب المصري ومحت أكذوبة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر بل و بثت الرعب في صفوف جنوده.

bottom of page