"انني أنظر إلى النبؤات التوراتية في العهد القديم و إلى الإشارات إلى هرمجدون و أجد نفسي أتسأل، هل نحن الجيل الذي سيشهد تحقق تلك النبؤات؟"
الرئيس الأمريكي رونالد ريجان في عزاء أسرة جندي أمريكي قتل في بيروت - 18 اكتوبر 1983.
تؤمن بعض الطوائف المسيحية المتطرفة أن كلمة "هرمجدون Armageddon" المذكورة عدة مرات في العهد القديم تشير إلى موقع بالشام سيشهد وقوع المواجهة الحتمية والحاسمة بين قوى الخير و قوى الشر في العالم حيث ستجتمع قوى الشر للقضاء على إسرائيل و عندئذ ستهب قوى الخير بمساندة قوى إلهية عظمى للقضاء على المعتدين و هزيمتهم ليبدأ العالم بعدها ألف عام من السلام و الرخاء.
و من الغريب أن يؤمن الرئيس الأمريكي ريجان بذلك مما له بلا شك تأثير على رؤيته بشأن الأمور المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط عامة و إسرائيل خاصة، و تزداد الغرابة إذا ما علمنا أن الرئيس الأمريكي جورج بوش (الابن) يشاركه نفس الاعتقاد حتى أنه في مكالمة تليفونية مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك في يناير 2003 يحثه فيها على المشاركة في قوى التحالف لغزو العراق قال له في حديث مسجل أن ذلك "بهدف تدمير آخر أوكار يأجوج ومأجوج" واصفاً غزو العراق "بالحملة الإيمانية المباركة و الواجب الإلهي المقدس !!".
بالعودة إلى انجلترا بعد أن كان قد تم نفيهم سابقاً بقرار من الملك ادوارد الأول عام 1290(*)، و في هذا المؤتمر ولدت الصلة بين ما سيعرف فيما بعد بإسم "الصهيونية المسيحية Christian Zionism" و بين المصالح البريطانية من ناحية و بين الايمان بوجوب عودة اليهود إلى فلسطين لتحقيق النبؤات التوراتية من ناحية أخرى.
*(دخل اليهود انجلترا في عهد الملك ويليام الأول أو الفاتح William I or the Conqueror في أوائل القرن الحادي عشر وكانت مهنة معظمهم الأساسية هي الرهونات و إقراض النقود و بلغ عددهم عندما صدر قرار طردهم من انجلترا عام 1290 نحو ثلاثة آلاف يهودي .. تم أيضاً طرد اليهود من المجر 1349 و فرنسا 1394 و النمسا 1421 و أسبانيا 1492 و البرتغال 1497، و حظرت كلتا البلدين على اليهود الهجرة إلى العالم الجديد، و نابولي 1510 و ميلانو 1597 و غيرهم من بلاد غرب أوروبا .. في حين استقبلتهم بلاد شمال أفريقيا و مصر و الشام و تركيا و شرق أوروبا .. يذكر أن الأديب الإنجليزي الأشهر شيكسبير دارت مسرحيته المعروفة "تاجر البندقية" التي عرضت لأول مرة عام 1605 حول شخصية مرابي يهودي عُرف بإسم "شيلوك").
و هكذا ارتبطت الصهيونية المسيحية منذ نشأتها بعودة اليهود إلى فلسطين (و بالتالي إنشاء دولة إسرائيل) كضرورة لعودة السيد المسيح، و قد برزت في القرن التاسع عشر عدة شخصيات بريطانية تروج لذلك نذكر منهم القس الانجليزي "ويليام هشلر (1845-1931) William Hechler" الذي عمل في سفارة بلاده في العاصمة النمساوية فيينا و الذي دعى إلى عودة اليهود إلى فلسطين تحقيقاً لنبؤات العهد القديم و قام بتنظيم عمليات نقل المهاجرين اليهود الروس إلى فلسطين و تعرّف في فيينا على الصحفي الشاب النمساوي المجري الأصل "تيودور هيرتزل (1860-1904) Theodor Herzl" مؤسس الحركة الصهيونية الحديثة و كان من أشد المتحمسين له حيث وفر للحركة الصهيونية الوليدة الدعم السياسي البريطاني لنحو ثلاثين عاماً و أخيراً من أشهر السياسيين البريطانيين الألفيين "اللورد آرثر بلفور (1848-1930) Arthur Balfour" رئيس الوزراء و وزير الخارجية السابق و المشهور بإعطائه لليهود وعد الحكومة البريطانية بإنشاء وطن قومي لهم على أرض فلسطين (وعد بلفور 1917).
أما المذاهب "القدرية أو التدبيرية Dispensationalism" فقد ظهرت في أوائل القرن التاسع عشر بين جماعات من المنشقين عن الكنائس المسيحية في انجلترا و يدور فكرها أيضاً حول محور التأويل الحرفي لنصوص الكتاب المقدس و أنه يحوي تاريخ البشرية بالكامل حتى نهاية العالم مقسّم إلى عصور ذات علامات مميزة تتوالى حسب المشيئة الإلهية، إلا أن الأهم من كل ذلك هو ظهور مذاهب "الانجيليين أو التبشيريين Evangelicalism" و هم طائفة من البروتستانت تتبع تعاليم "جون كالفن (1509-1564) John Calvin" (عرفوا أيضاً بإسم "الإصلاحيين Reformers") التي انتشرت في بريطانيا و في المستعمرات البريطانية الثلاثة عشرة الأولى في الساحل الشرقي من العالم الجديد حوالي أعوام 1730-1740 و التي دعت إلى صحوة دينية بروتستانتينية لتجديد التقوى و التفاني الديني وعرفت في بريطانيا بإسم "الإحياء الإنجيلي Evangelical Revival" بينما عرفت في العالم الجديد بإسم "الصحوة الكبرى الأولى First Great Awakening" و التي كان من أهم نتائجها ظهور دعاوي الاستقلال والإنفصال عن بريطانيا ثم تلاها في الولايات المتحدة الأمريكية عقب نشأتها في الرابع من يوليو عام 1776 و عبر أوائل القرن التاسع عشر ما عرف بإسم "الصحوة الكبرى الثانية Second Great Awakening" التي دعت إلى الديمقراطية والإعتدال والمساوة و حقوق الإنسان و تخفيف المعاناة و أدت إلى مولد ما أطلق عليه لقب الإمبراطورية الانجيلية حيث سيطر الإنجيليون على كافة المؤسسات الثقافية بالبلاد بما في ذلك المدارس و الجامعات.
ظهرت بعد ذلك عدة جماعات و جمعيات انجيلية علنية و سرية لعل من أشهرها و أكثرها غموضاً "مؤسسة الزمالة The Fellowship or The National/International Christian Leadership or The Family" التي أسسها عام 1935 القس النرويجي الأصل "ابراهام فريدي (1886-1969) Abraham Vereidi" و الذي أدعى أنه تلقى رؤية تكلفه باللجوء إلى أصحاب المال و النفوذ لمحاربة إنتشار الأفكار الإشتراكية و الشيوعية و تزامن ذلك مع الركود الاقتصادي الكبير، و عقد الاجتماع الأول لمؤسسة الزمالة في شهر أبريل من نفس العام مع 19 من كبار رجال الأعمال و الصناعة و معهم عدد من رجال الدين في مدينة سياتل بولاية واشنطن لمناقشة سبل مواجهة الإضطرابات العمالية و اتخذوا من حب السيد المسيح عليه السلام غطاء لدعوتهم و أنطلقت معهم دعوة "حركة إفطار الصلاة Prayer Breakfast Movement" لتنجح الفكرة و تصبح تقليد انتشر أعضاؤه في جميع الولايات يجتمعون أسبوعياً تحت مظلة حب السيد المسيح و نشر تعاليمه، و توَّاصل إنتشار الحركة لتصل إلى العديد من البلاد حول العالم حتى شهد عام 1953 مولد مؤتمر سنوي يعقد في العاصمة الأمريكية واشنطن في الخميس الأول من شهر فبراير من كل عام يدعى "إفطار الصلاة القومي National Prayer Breakfast" ينظمه أعضاء الكونجرس الأمريكي و يدعى لحضوره اليوم نحو 3500 شخص على رأسهم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية و الرؤساء السابقون و جميع كبار رجال الدولة من رجال السياسة و المال و الأعمال و الإعلام كما يدعى لحضوره القادة والملوك والرؤساء من جميع أنحاء العالم، و رغم أن نشاط المؤتمر لا يتعدى 48 ساعة إلا أنه يمثل مناسبة هامة لعقد لقاءات بين أطراف دولية عديدة على مختلف اتجاهاتها تمتد لعدة أيام قبل و بعد المؤتمر (انظر الفيلم الوثائقي The Family على قناة Netflix).
قد يوفر هذا الاعتقاد المتطرف مدخلاً لتفسير العلاقة شبه العضوية بين الولايات المتحدة الأمريكية و إسرائيل، إلا أنه لمحاولة فهم تطور هذا الإعتقاد و نشأته يجب علينا أن نعود إلى عهود بداية انتشار المسيحية حيث حافظ بعض المسيحيين الأوائل من أصول يهودية على بعض معتقداتهم حسب التأويل الحرفي لنصوص الكتاب المقدس و منها عودة سيدنا المسيح عليه السلام لينشئ مملكته على الأرض ويحكم في سلام لمدة ألف عام و أشتق من هذا الاعتقاد اسم "الألفية Millennialism" و قد انضمت بعض هذه الحركات إلى الحملات الصليبية إلا أنها لم ترتبط أنذاك بعودة اليهود إلى فلسطين حتى تلى ذلك ظهور الدعوة "التطهيرية أو البيوريتانية Puritans" في انجلترا في القرن السادس عشر (و منها إلى مستعمرات العالم الجديد) و هي جماعات بروتستانتينية دعت إلى تطهير كنيسة انجلترا من الأفكار الكاثوليكية و إلى إعادة اليهود إلى الأراضي المقدسة تحقيقاً لنبؤات الكتاب المقدس و تصاعدت تلك الدعوات مع ظهور أوليفر كرومويل (1599-1658) "Oliver Cromwell" القائد العسكري و السياسي الانجليزي المشهور الذي قاد الثورة على الملكية و أسقطها لتصبح انجلترا جمهورية لفترة قصيرة استمرت من 1649 حتى عودة الملكية 1660، و كان كرومويل يشغل حينئذاً منصب رئيس المحفل البيوريتاني و الذي دعى في مؤتمر عقد في لندن عام 1655 إلى السماح لليهود
و للدلالة على مدى تأثر المجتمع الأمريكي بتلك الأفكار و كذا المتغيرات التي تلت حرب يونيو 1967 نضيف أنه صدر عام 1970 كتاب يحمل اسم "The Late Great Planet Earth" للكاتب "هال ليندساي (1929) Hal Lindsey" القدري الصهيوني المسيحي و مقدم البرامج التليفزيونية، و الذي تناول النبوءات الواردة في الكتاب المقدس و طابقها بالأحداث التاريخية السابقة و الحالية ثم انتقل لوضع رؤية للأحداث القادمة تصب كلها في محور القضاء على يأجوج و مأجوج و عودة المسيح وبداية الألفية المنتظرة، و قد حقق هذا الكتاب مبيعات تقدر بأكثر من 28 مليون نسخة (بمعدل نسحة لكل 7 أفراد حيث كان تعداد الولايات المتحدة أنذاك 210 مليون نسمة) فكان بذلك أشهر كتاب ظهر في الولايات المتحدة في عقد السبعينيات من القرن الماضي كما تم عام 1978 انتاج فيلم عنه قام بالتعليق عليه الممثل المشهور أورسون ويلز و أخيراً قام نفس الكاتب بإصدار عدة كتب أخرى بعد ذلك تروج لنفس الأفكار تجاوزت مبيعاتها 50 مليون نسخة.
بالرغم من أن التعديل الأول للدستور الأمريكي ينص على فصل الدين عن الدولة إلا أن نشاط هذه المؤسسة الغامضة موضع ترحيب و تقدير على كافة المستويات الرسمية وقد وضح منذ نشأتها إلتزامها بمساندة الدولة اليهودية لكونه نابع في اعتقادهم من تعاليم الكتاب المقدس، و يكفي للدلالة على نفوذها الذي يمتد حول العالم حول العالم أنه كان يُطلق على رئيس المؤسسة السابق "دوجلاس كوي (1928-2017) Douglas Coe" لقب أقوى رجل "مجهول" في العاصمة الأمريكية واشنطن في إشارة إلي نفوذه القوي رغم الغموض الذي يحيط بالمؤسسة التي يرأسها، و يذكر أنه كان أحد مهندسي إتفاقية "كامب ديفيد" عام 1978.
مثال آخر هو "القس جيري فالويل (1933-2007) Jerry Falwell" الذي أسس عام 1979 مؤسسة "الأغلبية الأخلاقية Moral majority" و التي يقوم أحد مبادئها التأسيسية الأساسية الأربعة على استمرار الدعم الأمريكي لإسرائيل و الشعب اليهودي في كل مكان، و بلغ عدد أعضاء هذه المؤسسة في قمة نجاحها 4 مليون عضو بالإضافة إلى 2 مليون راع و متبرع عبر 20 ولاية أمريكية كان لهم دور كبير في فوز رونالد ريجان بمنصب الرئاسة عام 1980 و إعادة انتخابه عام 1984 ثم انتخاب جورج بوش الأب عام 1988.
و أخيراً – و بإستثناء الداعية الإنجيلي الشهير "جيمي سواجرت (1935) Jimmy Swaggart" الصهيوني المسيحي الألفي والمناصر لإسرائيل و الذي كان برنامجه التليفزيوني الأسبوعي يذاع في عشرات الدول حتى خفت نجمه في نهاية عام 1988 عقب فضائحه الجنسية، يقف على القمة بلا منازع "القس الأمريكي بيلي جراهام (1918-2018) Billy Graham" الصهيوني المسيحي و المشهور بأنه أكبر داعية دينية في القرن العشرين على الإطلاق و كان بدء الإرسال التليفزيوني في الولايات المتحدة عام 1939 عامل أساسي على تنامي شهرته و قد شغل منصب المستشار الروحي لرؤساء الولايات المتحدة منذ عهد هاري ترومان حتى باراك أوباما و هو الصديق الشخصي للرئيس ليندون جونسون و الصديق و الحليف لدولة إسرائيل و الذي دعاها عام 1967 لعدم الرضوخ لأية ضغوط دولية قد تعرض أمنها للخطر.
و هكذا انتشر المذهب الإنجيلي حتى أصبح عدد أتباعه يقدر اليوم بنحو ثلث إلى نصف المسيحيين بالبلاد على رأسهم أغلبية ساحقة من الرؤساء البروتستانتينين الإنجيليين و الإصلاحيين (كان جون كينيدي هو الرئيس الكاثوليكي الوحيد للولايات المتحدة)، وقد كان ميلاد دولة إسرائيل عام 1948 بمثابة تعزيز لصحة معتقداتهم التوراتية ثم كان انتصار إسرائيل في حرب 1967 وضم القدس اليها بمثابة إشارات من السماء تنبئ بقرب تحقيق نبؤات الكتاب المقدس فشجعت تلك "الإشارات الإلهية" المزيد من المسيحيين الانجيلين على الإنضمام إلى صفوف المدافعين عن إسرائيل و مؤازرة حكومتهم و حثها على المساندة التامة لإسرائيل .. أما اليوم فها نحن نرى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتبع خطى من سبقوه و يعترف في ديسمبر 2017 بالقدس عاصمة لإسرائيل و ينقل سفارة بلاده اليها لتتواصل الجهود في ثقة و تصميم خطوة تلو الأخرى استعداداً لهرمجدون و لقدوم المسيح وللألفية الجديدة .. و قد أظهر استطلاع للرأي قامت به مؤسسة Lifeway Research عقب تلك الخطوة أن 80% من الإنجيليون يؤمنون أن قيام دولة إسرائيل عام 1948 هو تحقيق للنبوءات التوراتية.
و في النهاية، أقدم لكم القس المعاصر جون هاجي (1940) "John Hagee" الصهيوني المسيحي التدبيري الذي ينتشر مريديه في الولايات المتحدة و كندا و الذي قدم 40 كتاب احتل سبعة منهم قائمة أكثر الكتب مبيعاً و هو مؤسس و رئيس "مؤسسة الصهيونية المسيحية – مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل Christian Zionist Organization – Christians United for Israel" التي يتبعها أكثر من سبعة مليون عضو حول العالم و الذي يؤكد أن الشعب اليهودي لا يحتل أرض فلسطين و مدينة القدس بل هو يملكهم، وأدعوكم إلى مشاهدة الفيديو التالي (بتاريخ سبتمبر 2019) من موقع المؤسسة كما أدعوكم لملاحظة تنوع أجناس جمهور الحاضرين و أعمارهم و حماسهم للخطاب و إنفعالهم بما يبشر به من إقتراب "هرمجدون" و عودة السيد المسيح و القضاء على أعداء إسرائيل و بداية الألفية مدعماً نبوأته بفقرات من الكتاب المقدس .. وقد كان إستغلال الدين عبر التاريخ – و ما زال – هو المدخل للسيطرة على عقول البسطاء شرقاً و غرباً.
كان هذا عرض لجانب هام من جوانب العلاقة بين إسرائيل و الولايات المتحدة الأمريكية إلا أنه لا يمكن إغفال جوانب أخرى عديدة شكلت اهتمام صناع القرار الأمريكي و بالتالي وعي الرأي العام الأمريكي مثل الصحافة و الإعلام و صناعة السينما والتليفزيون وجوانب اقتصادية و سياسية أخرى لا تقل أهمية .. أضف إلى ذلك وجود العشرات (يقدرهم البعض ببضع مئات) من مزدوجي الجنسية الأمريكية الإسرائيلية الذين يرعون مصالح إسرائيل في كل الأوقات و ذلك من خلال مواقعهم في مجلس الشيوخ و مجلس النواب و دوائر صنع القرار في البيت الأبيض و الحكومة الأمريكية.
و هكذا اتحدت المصالح و اتفقت الرغبات على التخلص من عبد الناصر فالولايات المتحدة الأمريكية ترغب في تقليص نفوذ الاتحاد السوفيتي في المنطقة و أن تجعل من سقوط جمال عبد الناصر مثالاً لدول العالم الثالث يثبت لهم أن الوقوف مع الجانب السوفيتي هو وقوف مع الجانب الخاسر(*)، و من ناحية أخرى فإن مساندتها لإسرائيل تمهد الطريق لعودة السيد المسيح و للألفية المنتظرة حسب رؤية الأغلبية الإنجيلية، أما المملكة العربية السعودية فترغب في حماية عرشها من تأثير المد القومي العربي الثوري الذي بعثه عبد الناصر في المنطقة و إسرائيل ترغب في توجيه ضربة لعدوها الأول تفقده قدراته وثقته بنفسه لسنوات قادمة ..
*(كرر الرئيس جورج بوش الابن نفس الرسالة متخذاً من الحرب على الإرهاب ذريعة عندما أعلن علناً للعالم أجمع عقب أحداث 11 سبتمبر 2001 أنه "إما أن تكونوا معنا و إما أن تكونوا ضدنا").
و توافقت تلك الرغبات مع رغبات أطراف ثانوية أخرى عديدة مثل بريطانيا التي وافق رئيس وزرائها ونستون تشرشل عام 1953 على إحياء الخطة "روديو Rodeo" لغزو دلتا مصر عسكرياً وصولاً إلى القاهرة و ذلك بسبب تعثر مفاوضات الجلاء عن مصر (وهي الخطة التي كانت معدة للتدخل عقب أحداث حريق القاهرة في يناير 1951) ثم كانت أزمة السويس علامة انهيار امبراطوريتها كما مثلت مساندة عبد الناصر لدول الخليج العربي لنيل استقلالها نهاية لوجودها بالمنطقة، و مثل فرنسا التي لم تنس لعبد الناصر دوره في مساندة الجزائر لنيل استقلالها، و مثل تركيا التي قدمت فيما قبل ورقة عمل في اجتماع لحلف الأطلنطي في شتاء عام 1964 تحت عنوان "تصفية عبد الناصر".
و قد عبر الملك فيصل عن مجمل تلك الرغبات المشتركة في خطابه إلى الرئيس الأمريكي جونسون بتاريخ 27 ديسمبر 1966 (كتاب عقود من الخيبات للكاتب حمدان حمدان دار بيسان صفحة 489-491) حيث حدد مطالبه حرفياً في قوله: "أن تقوم أمريكا بدعم إسرائيل بهجوم خاطف على مصر تستولى به على أهم الأماكن حيوية فى مصر، لتضطرها بذلك، لا إلى سحب جيشها صاغرة من اليمن(*) فقط، بل لإشغال مصر بإسرائيل عنا مدة طويلة لن يرفع بعدها أى مصرى رأسه خلف القناة، ليحاول إعادة مطامع محمد على و عبد الناصر فى وحدة عربية".
و يلاحظ تأثير عقدة محمد علي باشا والي مصر على تفكير الملك السعودي رغم مرور نحو 150 عام على أحداث حملات الوالي الثلاثة للقضاء على الحركة الوهابية في الحجاز بتكليف من الدولة العثمانية .. كما يلاحظ توارث تلك الكراهية عبر الأباء و الأجداد والتي تجددت بظهور عبد الناصر .. و لم ينس أن يضيف جلالته في نهاية خطابه انه "لا مانع لدينا من إعطاء المعونات لمصر وشبيهاتها من الدول العربية إقتداء بالقول (أرحموا شرير قوم ذل) و ذلك لإتقاء أصواتهم الكريهة فى الإعلام" .. و كانت إسرائيل بالفعل هي الأداة المناسبة لتنفيذ هذا المخطط و التي تملك القدرة على تنفيذه خصوصاً أنه مخطط يتفق تماماً مع أهدافها و مصالحها في المنطقة.
*(تم بالفعل تنفيذ المخطط السعودي الأمريكي الصهيوني حيث هزمت مصر هزيمة قاسية في يونيو 1967 و تمت عقب ذلك مباشرة تسوية مسألة اليمن بين الرئيس عبد الناصر و الملك فيصل خلال اجتماع القمة العربي الرابع الذي عقد بالخرطوم في 29 أغسطس 1967 .. كما كان من ضمن قرارت ذات المؤتمر تعهد الدول العربية بتقديم المساندة الاقتصادية للدول التي أضيرت في الحرب .. و لا تزال المملكة تتباهى و تتفاخر حتى اليوم بدورها في مناهضة عبد الناصر في الستينيات ثم تحويل مصر من المعسكر السوفيتي إلى المعسكر الأمريكي في السبعينيات كما أفصح عنه وزير خارجيتها السابق عادل الجبير مؤخراً بمنتهى الوضوح و الصراحة في بداية خطابه أمام مؤسسة بروكينجز للدراسات السياسية في يوم 22 مارس 2018 – انظر الفيديو).
خطاب وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أمام مؤسسة بروكينجز – فيديو باللغة الإنجليزية