الإختراق الثاني لميناء إيلات – العملية الأولى
التاريخ: ليلة السبت 15/ الأحد 16 نوفمبر 1969
الهدف: تدمير "بات شيفع" سفينة انزال أليات و "بات يام" سفينة إنزال جنود
النتيجة: تدمير السفن التجارية "هيداروما Hey Daroma" و "داليا Dahlia" المشاركتان في المجهود الحربي.
الأبطال: الرائد رضا حلمى قائد لواء الوحدات الخاصة بالقوات البحرية – قائد العملية
الرائد مصطفى طاهر – قائد التدريب
المجند المهندس أسامة مطاوع – شئون فنية
الرائد سمير يوسف/النقيب على عثمان/النقيب عبد الله الشرقاوي – استطلاع و إعداد
ملازم أول عبد الرؤوف سالم/ العريف عبده مبروك – نقل المعدات
التنفيذ: المجموعة الأولى: ملازم أول عمر عز الدين/ الرقيب محمد العراقي
المجموعة الثانية: ملازم أول حسنين جاويش/ الرقيب عادل البطراوي
المجموعة الثالثة: ملازم أول نبيل عبد الوهاب/ الرقيب محمد فوزي البرقوقي
نجح القصف البحري لرمانة و بالوظة مساء السبت 8 نوفمبر في تكبيد العدو خسائر فادحة و ظلت النيران مشتعلة في المواقع المستهدفة لأكثر من 30 ساعة (انظر صفحة 155) .. أما في عمان فقد ظلت العملية ضد السفن الراسية في ميناء إيلات الحربي مؤجلة لحين عودة الرائد رضا حلمي و ظل أبطال لواء الوحدات الخاصة في انتظار قائدهم و الوقت يمر بطيئاً بينما رجال المكتب العسكري بعمان يحاولون تخفيف رتابة الإنتظار عنهم بالخروج للنزهة أحياناً و شراء بعض الهدايا البسيطة لأسرهم و على حد قول البطل نبيل عبد الوهاب "كنا قاعدين مريحين على الأخر و كل طلباتنا مجابة".
عاد الرائد رضا حلمي و معه بعض قطع الغيار الضرورية و الأهم من ذلك التعليمات الجديدة للتنفيذ .. و فى تمام الساعة الحادية عشرة والنصف من مساء الجمعة 14 نوفمبر تحركت مجموعة الأفراد بسيارة ميكروباص من عمان و تحركت مجموعة المعدات بسيارة نقل من الطفيلة حتى تجمعت المجموعتان ثم واصلوا طريقهم معاً حتى وصلوا إلى نقطة الإنزال حوالي الساعة الواحدة والنصف ظهر يوم السبت 15 نوفمبر.
يستكمل النقيب على عثمان القصة و يقول: " انتهز أفراد القوات الخاصة البحرية الفرصة لنيل بضع ساعات من الراحة والنوم فى السيارات و كنت قد قمت بتجهيز أنابيب عسل نحل و مربى و أقراص فيتامينات و أقراص ملح لتدفئة الأفراد فى تلك الليلة الشديدة البرودة، و كان شهر رمضان المبارك قد حل و تم الاتفاق على أن يتم الإنزال من نفس النقطة السابقة على الحدود الأردنية السعودية قبل آذان المغرب بقليل حين تعود الدوريات الحدودية الأردنية و السعودية الى مقريهما لإعداد و تناول وجبة الإفطار".
تم التنسيق مع إذاعة صوت العرب انه مع بدء الإرسال في الساعة الرابعة تماماً سيتم إذاعة أغنية "بين شطين و ميه" للمطرب محمد قنديل في حالة وجود الأهداف بميناء إيلات أما في حالة عدم وجودهم فسيتم إذاعة أغنية "غاب القمر يا ابن عمي" للمطربة شادية (و قد استدعى تنفيذ هذا الأمر تدخل الرئيس جمال عبد الناصر شخصياً لدى رئيس إذاعة صوت العرب) .. و قبل الساعة الرابعة عصراً بدقائق تم ضبط الراديو على اذاعة صوت العرب فى انتظار الإشارة المتفق عليها لمعرفة موقف تواجد الأهداف الإسرائيلية بميناء ايلات من عدمه .. كان افتتاح إرسال اذاعة صوت العرب يبدأ دائماً بالقرآن الكريم و لكن مع دقات الساعة الرابعة مساء تم لأول و آخر مرة إفتتاح الإرسال بأغنية .. و كانت أغنية "بين شطين و ميه" لمحمد قنديل .. و أضاف المذيع أنها بناء على طلب الأخ أبو راضي و اخوته.
و للمرة الثانية كانت مجموعات من الأبطال عمرو البتانوني و رامي عبد العزيز و محمود سعد و محمد المصري و على أبو ريشة و فتحي محمد علي تنتظر في السويس للهجوم على السفن في حالة وجودهم بشرم الشيخ .. و بالطبع تم الغاء مهمتهم لوجود السفن في إيلات ..
نعود إلى قصة النقيب على عثمان حيث يقول: "سمعنا أغنية محمد قنديل و هللنا جميعاً الله اكبر و غمرت الفرحة قلوبنا، و أصدر الرائد رضا حلمى تعليماته بسرعة تجهيز الزورق الزودياك و المعدات .. وقبل آذان المغرب بنصف ساعة بدء التحرك و معي الرائد مصطفى طاهر و الرائد سمير يوسف و أفراد الضفادع البشرية الى منطقة النزول الى الماء بينما تخلف في منطقة التجهيز النقيب عبد الله الشرقاوى و ملازم أول عبد الرؤوف سالم و الملازم أول الفلسطينى فاخر النحال و بعض الجنود الفلسطينيين من قوات عين جالوت.
و مع آذان المغرب حوالى الساعة الخامسة والنصف مساء تم نزول الأفراد الى الماء و صعدت و معى الرائد مصطفى طاهر و الرائد سمير يوسف الى تبة المراقبة المشرفة على الشاطىء مكان الإنزال .. بينما أرخى الليل ستائره و سيطر السكون .. و بعد حوالى نصف ساعة شاهدت إشارة ضوئية من القارب بالعودة فنزلت الى الشاطىء مسرعاً حيث وجدت الرائد رضا حلمى الذى أبلغنى بأن تيلة تثبيت الموتور بالقارب انكسرت و لا يمكن تشغيل المحرك إلا بتركيب التيلة الاحتياطى التى تركها المهندس اسامة مطاوع فى منطقة التجهيز.
رجعت مسرعاً الى منطقة التجهيز فى ظلام الليل و الأرض بها أحجار كبيرة و أشواك فسقطت على الأرض عدة مرات واخترقت الحذاء شوكة كبيرة دخلت فى قدمى و أحسست بألم شديد و لكن لم أستطع التوقف و استكملت التحرك بسرعة لمسافة حوالى خمسة كيلومترات حتى وصلت و أخذت التيلة من ملازم أول عبد الرؤوف سالم و عدت و أنا أسابق الريح حتى وصلت الى الشاطىء و سلمتها للمهندس اسامة و تم تركيبها بالموتور و تحرك القارب إلى الهدف بميناء إيلات".
يروى المرحوم البطل حسنين جاويش فى حديث صحفى: "وصلنا إلى نقطة الإنزال بمصاحبة دليل أقسم بأننى فى حياتى ما شاهدت انساناً يسير بالسرعة التى كان يسير بها، و الوحيد الذى كان يستطيع ملاحقته هو النقيب على عثمان .. و فى هذه الاثناء كنا نحاول توزيع أنفسنا و عدم السير جماعة واحدة حتى لا تلاحظنا الدوريات الأردنية .. أسامة مطاوع نسى التيلة الإحتياطى للقارب و لذلك رجعنا إلى الشاطىء مرة أخرى و نحن فى حالة قلق شديد نظراً لأهمية عامل الوقت فى نجاح العملية و لكن من حسن الحظ أن النقيب على عثمان كان يراقبنا من على قمة بمكان مرتفع وعندما شاهدنا نعود أسرع إلينا فأخبره مطاوع بأنه يحتاج الى تيلة للموتور بشكل ضرورى و عاجل جداً فرجع مسافة أربعة أو خمسة كيلومترات و هو يجرى كالريح و سقط على الأرض و دخلت فى قدمه شوكة كبيرة استقرت فى عظامه و لكنه لم يبال بذلك و استمر فى المسير و أحضر لنا التيلة حتى لا تفشل العملية .." كما يضيف البطل نبيل عبد الوهاب فى شهادته : "على عثمان جرى أكثر من 8 كيلومتر رايح جاى و أحضر التيلة ! وكان بيتنطط فوق الصخور زى الفهد".
و عن تلك اللحظات الحرجة يقول البطل أسامة مطاوع في كتاب (وحوش البحر صفحة 39) " عند إنزال الزودياك إلى الماء اكتشفت أن المحرك يدور و لكن الرفاص لا يتحرك فأدركت على الفور أن تيلة الرفاص كسرت فأصابنا جميعاً القلق والإحباط و لكن كنت دائماً عندما أخرج للتدريب مع أي مجموعة لا بد أن أحمل معي في جيبي أو في حقيبتي بعض الأشياء المهمة من قطع الغيار .. و فعلاً أحضر لنا على عثمان التيلة من حقيبتي و بعد نصف ساعة تم التركيب و تم التحرك على الفور".
و الأن نتابع ما قامت به ضفادعنا البشرية داخل ميناء ايلات من خلال مذكرات قائد القوات البحرية العميد بحرى محمود فهمى: "كانوا فى القارب المطاط الزودياك متحركين فى اتجاه إيلات فى الساعة الخامسة و النصف و كان التوقيت مناسباً جداً فقد كان الوقت رمضان و كانت هذه الفترة هى موعد افطار قوات الحدود الاردنية و كانت حالة البحر سيئة و الرياح شديدة مثل المرة السابقة تماماً حتى أنهم قطعوا المسافة الى ميناء ايلات فى ثلاث ساعات (يضيف البطل نبيل عبد الوهاب أن شعور المجموعة كان مختلف هذه المرة فقد زالت رهبة المرة الأولى حيث كان وقع كل شئ فيها جديد على الجميع .. أما هذه المرة فكان الأمر تكرار لتجربة سابقة).
انتظرت المجموعة قليلاً فى القارب حتى يقترب موعد غروب القمر و بعد إتمام التلقين النهائى و تخصيص الأهداف لكل مجموعة على حدة و بعد مراجعة جميع الخطوات التى يجب أن تتبع و فى الساعة التاسعة والربع أشار الرائد رضا حلمي إلى قائد المجموعة الأولى الملازم أول عمر عز الدين بالنزول الى الماء و معه الرقيب محمد العراقى ثم أشار الى قائد المجموعة الثانية الملازم أول حسنين جاويش و معه الرقيب عادل البطراوى ثم أشار الى قائد المجموعة الثالثة الملازم أول نبيل عبد الوهاب و معه الرقيب محمد فوزى البرقوقى.
و فى أقل من بضع دقائق كانت المجموعات الثلاثة فى الماء على بعد كيلومترين من أرصفة ميناء إيلات تسبح فى اتجاه أهدافها وكان كل فرد يحمل لغمه البالغ وزنه 100 كيلوجرام وكان المخطط أن تتجه المجموعة الاولى لتلغيم الهدف الاول والأصغر (السفينة "هيداروما") و أن تتجه المجموعتان الثانية والثالثة لتلغيم الهدف الثانى الأكبر حجماً (السفينة "داليا") وأن القارب الزودياك سوف ينتظر فى نفس المكان لإلتقاطهم بعد إنتهاء العملية ما بين الساعة الثانية عشرة و النصف وحتى الساعة الواحدة من صباح يوم الأحد 16 نوفمبر.
تقدمت المجموعات الثلاث باسم الله وعلى بركته سباحة فى اتجاه أهدافها و كل فرد متصل بزميله بحبل حتى لا يتوه أحدهما عن الأخر في ظلام الليل و بعد عشر دقائق من وجودهم فى الماء شعروا بإنفجار ثلاثة عبوات الواحدة تلو الأخرى من العبوات المتفجرة المضادة للضفادع البشرية و التي تلقى في محيط الميناء لتأمينه غير أنها لم تؤثر فيهم ولا فى عزمهم على المضى قدماً الى أهدافهم.
فى الساعة الحادية عشرة و خمس دقائق وصلت المجموعة الأولى إلى مسافة 150 متر من السفينة "هيداروما" و بعد التأكد من أنه الهدف المخصص لها بدأت فى الغطس و بعد حوالى عشر دقائق اضطر الرقيب محمد العراقي إلى الصعود إلى سطح الماء لعطل أصاب جهاز التنفس ..
كان من شروط العملية أن لا يتولى أي ضفدع بشري المهمة بمفرده و أن يكون معه رفيق واحد على الأقل متصل به بحبل كما ذكرنا .. لذا كان من المفروض على الملازم أول عمر عز الدين تحت هذا الظرف الطارئ – و حسب الأوامر المعطاة له – أن ينسحب مع زميله إلا أنه قرر إستكمال المهمة بمفرده بالمخالفة للأوامر و قام بفصل الحبل الذي يربطه بزميله و أمره بالعودة إلى القارب الزودياك بينما واصل هو التقدم وحده و قام بالغطس تحت سطح الماء حتى وصل إلى هدفه و قام بتلغيم السفينة "هيداروما" و نزع فتيل الأمان متمماً العملية بنجاح .. و فى الساعة الحادية عشرة و خمس وعشرين دقيقة بدأ رحلة العودة بمفرده .. و بعد ساعتين و في نحو الساعة الواحدة والنصف كان قد وصل الى المكان المتفق عليه وسمع صوت محرك القارب الزودياك إلا أنه فشل في تحديد مكانه و الوصول اليه فاستكمل طريقه سباحة الى الشاطىء الأردنى حيث سلم نفسه الى السلطات هناك.
أما المجموعتان الثانية و الثالثة فقد ظلتا متلازمتين فى السباحة حتى وصلتا إلى مسافة 150 مترا من السفينة "داليا" فانفصلت المجموعة الثانية بقيادة الملازم أول حسنين جاويش و معه الرقيب عادل البطراوي و بدأت فى الغطس حتى وصلت إلى مقدمة الهدف وفى الساعة الحادية عشرة و عشرين دقيقة كانت قد أتمت تثبيت اللغمين بفاصل سبعة أمتار و بدء أفراد المجموعة فى اتخاذ طريق العودة سباحة الى نقطة الإلتقاط و لكن الوقت كان متأخراً فلم يستطيعوا العثور على القارب الزودياك و أستكملوا طريقهم سباحة الى الشاطىء الاردنى حيث لجاؤا إلى أحد البيوت الريفية التي رحب أهلها بهم و أوصلوهم إلى نقطة التجمع.
أما المجموعة الثالثة والتى كانت تتكون من الملازم نبيل عبد الوهاب و الرقيب فوزى البرقوقى فقد بدأت فى الغطس على مسافة 150 متر من الهدف حتى وصلت أسفل منتصف الهدف و كان المكان مضأ بكشافات قوية فاضطروا للغوص إلى عمق أكثر من عشرة أمتار لتجنب اكتشاف العدو لهم رغم أن ذلك قد يعرضهم لخطر الإصابة بالتسمم الأوكسجيني (انظر صفحة 73)، و قاموا بثبيت اللغم الأول على الجانب الأيمن من منتصف السفينة و هنا بدأ البطل فوزي البرقوقي يشعر بأعراض اصابته بالتسمم الأوكسجيني .. كان من الممكن أن ينقذ نفسه بسهولة لو صعد إلى سطح الماء و تنفس الهواء الطبيعي إلا أنه كان بطلاً حتى النهاية و خشى أن يتم إكتشافه و تتعرض العملية للفشل فتحامل على الألم حتى وصل إلى مؤخرة السفينة .. و رغم أن رفيقه نبيل عبد الوهاب أشار له ثلاثة مرات بالصعود إلا أنه استمر في أداء مهمته وقام بتنظيف موقع تثبيت اللغم من الحشف و الطحالب و ثبت اللغم بالقرب من مكان دخول عمود الرفاص و نزع تيلة التوقيت و تيلة التفجير و كانت الساعة حوالى الحادية عشرة و عشرين دقيقة، وبعد مغادرة الهدف أشار الى رفيقه نبيل عبد الوهاب بأن يعاونه على الصعود إلى سطح الماء إلا أن الوقت لم يسعفه و تبين للملازم نبيل بمجرد صعودهما أن الرقيب البرقوقى قد فارق الحياة و هما على بعد أمتار قليلة من السفينة الإسرائيلية التى قاما بتلغيمها منذ لحظات داخل ميناء ايلات".
.. كان نبيل في التاسعة من عمره عندما استشهد شقيقه الأكبر الملازم بحري طلعت عبد الوهاب أثناء العدوان الثلاثي عام 1956 و هو على ظهر الفرقاطة المصرية "دمياط" التي كانت في مواجهة مع المدمرة البريطانية "نيوفوندلاند" في البحر الأحمر .. و فقد جثمان شقيقه في البحر و لم يتم العثور عليه .. لم ينسى نبيل أبداً صورة والدته و ألمها و هي تناجي ربها و تشكو ألمها المضاعف بإستشهاد ولدها ثم حرمانها من دفن جثمانه بجوارها .. لم يتردد نبيل عبد الوهاب للحظة واحدة و قرر أنه لن يترك جثمان رفيقه و صمم على أنه سيعود معه مثلما أتى معه و تجاهل التعليمات و تجاهل موعد اللقاء مع قارب العودة بل تجاهل سلامته الشخصية، تجاهل كل شئ عدا إصراره على أن لا يترك جثمان رفيقه للإسرائيلين لكي يهان و لكي يتفاخروا بقتلهم لجندي مصري و صمم على أن يعود رفيقه الرقيب فوزي البرقوقى معه لكي ينال ما يستحقه من التكريم المناسب في وطنه .. و لكي يدفن في مقابر عائلته ببلدته بكفر الشيخ .. و لكي لا تعاني والدة رفيقه من نفس الألم الذي عانت منه والدته ..
عسى أن يكون في ذلك شئ من المواساة لقلب والدة رفيقه .. و لقلب و الدته ..
أخذ نبيل يبتعد سباحة تحت الماء و هو يسحب رفيقه لمسافة حوالى 500 متر حتى أصبح على مسافة أمنة فصعد إلى سطح الماء و تخلى عن اجهزة الغطس الخاصة به و بالشهيد البرقوقي و احتفظ بالزعانف فقط لكي تعينه على مجهود السباحة و أخذ يسحب رفيقه مكشوفاً لا يحميه سوى ظلام الليل و معرضاً نفسه للأخطار وسط الامواج العالية .. و في الطريق سمع أصوات الانفجارات في ميناء إيلات فاستدار ليري السماء تتوهج بأنوار الانفجارات المتتالية و الحرائق المشتعلة .. يقول البطل نبيل عبد الوهاب انه تملكه في هذه اللحظة شعوران متناقضان يجيشان في صدره .. الشعور الأول شعور بالفرحة العارمة و هو يرى نتيجه عمله تتحقق بنجاح و ها هي سفن العدو تنفجر أمامه و تضئ الأفق بحرائق الإنفجارات المتتالية .. بينما الشعور الثاني كان شعور بالحزن العميق لوفاة رفيقه الذي لم يمتد به العمر ليشاركه تلك اللحظات من الفخر و الإعتزاز بنتيجة عملهم فكان يحتضنه و يقول له .. "شوف يا فوزي أنت عملت ايه .. كان نفسي تشوف اللي ايدك عملته" ..
كان هذا المشهد عوناً للبطل نبيل عبد الوهاب على تقوية عزيمته في مشوار العودة المضنية و ترضية لروح شريكه البطل فوزي البرقوقي .. رفيقه الصامت في رحلة العودة و الذي كانت روحه الطاهرة تحلق في ملكوت الله في رفقة القديسين والشهداء .."
بالطبع لم يتمكن البطل نبيل عبد الوهاب من اللحاق بقارب العودة و هو ما كان يتوقعه و استمر في السباحة لمسافة قدرت بحوالي 14 كيلومتر على الأقل حتى وصل الى الشاطىء الأردنى بعد حوالي ستة ساعات من السباحة المضنية دون أن يتخلى عن جثمان رفيقه .. و مع أولى ساعات الصباح وجد نفسه في موقع لقرية سياحية مهجورة و سرعان ما وجد الرائد ابراهيم الدخاخني في انتظاره و تبع ذلك وصول رجال حرس الحدود الأردنيين من موقع مجاور فتقدموا منه شاهرين أسلحتهم إلا أنه سارع بتعريف نفسه و أنه ضابط مصري و أنه الذي قام بتفجيرات ميناء ايلات التي كانت حرائقها لا تزال تضئ السماء أمامهم فتحول تجهم وجوههم المتحفزة إلى وجوه سعيدة فخورة مرحبة و أحسنوا استقباله .. استقبال الأخوة و استقبال الأبطال.
يقول الرائد ابراهيم الدخاخني في كتاب (وحوش البحر صفحة 46) " كنت في انتظار الضفادع بعد العملية على شاطئ العقبة بتمشى رايح جاي في المنطقة المفترض عودتهم اليها .. رأيت نبيل و البرقوقي راقدين على الشاطئ جنب بعض .. اقتربت منهم و حركتهم برفق قائلاً حمد لله على السلامة .. قال لي نبيل .. البقية في حياتك البرقوقي مات .. كان نبيل يكاد يموت من التعب بعد أن سحب رفيقه كل هذه المسافة .. جاء الجنود الأردنيون و اهتموا برجال الضفادع اهتمام بالغ و كانوا في منتهى الروعة و التعاون .. كان معهم ضابط مخابرات سألني عن سبب وجودي في هذه الليلة على شاطئ العقبة فأجبته انه جأتني إشارة من القاهرة أمرتني بالنزول إلى الشاطئ و الإنتظار .. قلت لضابط المخابرات ماذا تريد منهم؟ دول رفقاء سلاح جاءوا من مصر بطائرة هليكوبتر و نفذوا عملية في إيلات و فاتهم اللحاق بالطائرة للعودة ومعهم شهيد .. بعد إنتهاء العملية ذهبت لمقابلة الرائد الأردني مطلق حمدان لأقدم له الشكر لنقله جثمان الشهيد البرقوقي من العقبة إلى عمان فوجدته يعرض عليّ استعداده لأن يساعدنا في عملياتنا القادمة لتوصيل الضفادع إلى العقبة".
كان الرائد رضا حلمى ينتظر بالقارب المطاط عودة المجموعات على أحر من الجمر و هو على بعد كيلومترين من ميناء إيلات واخذ يتلمس أى صوت فى الماء أو أى ضوء صغير قد يظهر على سطح البحر من بطارية أحد العائدين ولكن دون جدوى و تعدت عقارب الساعة الثانية عشرة و النصف ثم الواحدة و فى تمام الساعة الواحدة وثلاث عشرة دقيقة سمع دوى انفجار شديد من داخل ميناء ايلات ثم توالت الانفجارات و كانت جملتها خمسة انفجارات أصابت السفينتين الإسرائيليتين "داليا" و "هيداروما".
و عندما تأخر وصول أفراد المجموعات تبين للرائد رضا حلمي انه تعذر عليهم الوصول الى القارب و أنهم توجهوا إلى الشاطىء الأردنى حسب التعليمات فاتصل لاسلكياً بالرائد ابراهيم الدخاخنى الموجود بميناء العقبة لكى يؤمن استقبالهم على الشاطىء و عاد بالقارب الى منطقة الإنزال بالقرب من الحدود الأردنية السعودية لكى يستطيع أن يخفى قاربه بين التلال قبل أن يدركه الصباح وبالفعل أسرع الرائد ابراهيم الدخاخنى إلى السلطات الأردنية و قص عليهم القصة المتفق عليها (و هى القصة التى نشرت فى الجرائد المصرية بعد ذلك) و انهم اضطروا للجوء إلى الشاطىء الأردنى .. و قد استقبلتهم قوات حرس الحدود الأردنية أطيب استقبال حيث أكرموا و فادتهم و أحسنوا معاملتهم بشهامة عربية أصيلة.
يضيف المجند المهندس أسامة مطاوع "نزلنا البحر بعد المغرب و بعد إنطلاق المجموعات الثلاثة لتنفيذ مهمتهم ظللنا نطوف في موقعنا بهدؤء و فجاءة ظهر لنا كشاف لنش فـأبطلنا المحرك و عبر ضوء الكشاف علينا دون أن يلمحنا أحد و أذكر أنه كان يصدر من اللنش صوت موسيقى .. و انتظرنا حتى تأكدنا من زوال الخطر ثم عرضت على الرائد رضا حلمي أن ينام لينال قسط من الراحة و ظللت أنا أطوف بالزودياك في هدوء حتى حل ميعاد التقاطهم فلما لم نجدهم عدنا إلى نقطة الإلتقاط على الشاطئ قبل الفجر و عدت أنا إلى الطفيلة مع عبد الرؤوف سالم بينما عاد رضا إلى عمان".
أما النقيب على عثمان فيقول: "في الواحدة و الدقيقة الثالثة عشرة سطع ضوء قوي أضاء السماء و تلى ذلك بعد لحظات صوت انفجار شديد ثم توالت الإنفجارات و غمرتنا جميعاً الفرحة .. و في الواحدة و النصف صباحاً حل موعد انسحاب القارب الزودياك و بدأنا نترقب الإشارات الضوئية من القارب لإرشاده إلى مكان الإلتقاط و ما هي إلا بضع دقائق حتى وصل و به الرائد رضا حلمي و المجند مهندس أسامة مطاوع و الرقيب محمد العراقي و تحركنا سريعاً الى منطقة التجهيز و كانت التعليمات للنقيب عبد الله الشرقاوى بتجهيز السيارات للتحرك مع تنفيذ إجراءات التأمين تجنباً لقيام العدو بمطاردتنا بالهليكوبتر.
كنا نريد الإطمئنان على الأفراد الخمسة الذين لم يعودوا إلى القارب الزودياك وكانت التعليمات إليهم انه في حالة تعذر العودة للقارب أن تتم العودة سباحة إلى الشاطىء الأردنى و أن يسلموا أنفسهم إلى القوات الأردنية وان يقدموا لهم القصة المتفق عليها (أنه تم انزالهم جواً بطائرات الهليكوبتر المصرية في طابا و أن هذه الطائرات لم تتمكن من العودة لإلتقاطهم) .. وكان الرائد ابراهيم الدخاخنى متواجداً بالعقبة من أجل تغطية هذا الموقف و تذليل أى عقبات و تأمين سلامة عودتهم.
و كان علينا التحرك فوراً لأن العدو الاسرائيلى يقوم بتمشيط المنطقة بالهليكوبتر بعد كل عملية و عملية الإنسحاب لا تقل خطورة أحياناً عن عملية الهجوم .. فجمعنا معداتنا و ركبنا العربة وكنت قد وضعت فى العربة من الخلف زحافة لتخفى أثار السيارة حتى لا يتعرف أحد على الطريق الذى سلكته، وجمعنا أية أثار يمكن ان تدل علي وجودنا من بقايا طعام أو أية مخلفات".
فيما بعد و عندما تجمع أفراد العملية و أدركوا استشهاد زميلهم فوزي البرقوقي و إصرار البطل نبيل عبد الوهاب على سحبه معه سباحة لمسافة 14 كيلومتر قطعها في 6 ساعات و ما بذله من مجهود خارق مع تعريض نفسه لمخاطر كبيرة لتحقيق ذلك، سأله البطل عمر عز الدين لماذا لم تترك الجثمان فكان جوابه لم أكن أرغب أن أتركه و صممت أن أحرمهم من أن ينالوا من جندي مصري واحد حتى لو كان جثة هامدة .. و عاد الأخوة الأبطال جميعاً معاً إلى أرض الوطن و برفقتهم أخوهم و رفيقهم الشهيد فوزي ..
يواصل العميد محمود فهمي قائد القوات البحرية سرد الأحداث في مذكراته فيقول: "فى حوالى الساعة السادسة والنصف من صباح الأحد 16 نوفمبر عام 1969 أيقظنى تليفون من اللواء محمد صادق رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة يخطرنى بأن عملية الإغارة على ميناء إيلات قد تمت بنجاح و أن النتيجة هى تدمير سفينتين إسرائيلتين غير أنهما سفينتان تجاريتان و أن جميع أفرادنا قد عادوا سالمين الى الأردن ما عدا فردين لم تصل أية معلومات عنهما و لا حتى من مصادر إذاعة إسرائيل و انه سوف يتصل بى مرة اخرى إذا تبينت له معلومات اخرى عنهما و عن اسميهما الذين لم يكونا معروفين فى ذلك الوقت وهنأنى تهنئة حارة على ماتم إحرازه من نصر و نقل إلي تهنئة الرئيس جمال عبد الناصر وتحياته.
كدت أطير من الفرح عند سماعى لهذه الاخبار غير أننى كنت قلقاً تماماً على هذين الفردين اللذين ما زالا مفقودين وذهبت إلى مكتبي و الدنيا على سعتها لا تكاد تكفينى من الفرحة و كنت أشعر بشعور لا أستطيع وصفه بدقة فأمرت بإرسال إشارة إلى جميع الوحدات كتبتها بنفسى و كانت كما اذكرها كالأتى :
"لقد أغارت الطلائع الباسلة من ضفادعنا البشرية على ميناء إيلات الإسرائيلى ليلة أمس ودمرت سفينتين للعدو، و أنا إذ أهنئكم جميعاً، أتطلع إلى نصر جديد تحققونه ضد عدونا الغاشم .. إن مصر تنتظر من كل منا ان يؤدى واجبه".
و بعد قليل اتصل بى اللواء صادق مرة ثانية وأخطرنى بوصول المجموعة كاملة إلى الأردن غير أن أحدهم قد وصل شهيداً و هو الرقيب البرقوقى، وأنه جارى الإعداد لنقل جثمانه مع باقى المجموعة إلى القاهرة.
استدعيت العقيد محمد رأفت (لواء أ.ح.) من شعبة العمليات البحرية و أبلغته بتفاصيل ماحدث من الضفادع البشرية المصرية فى ميناء ايلات و أمرته بأن يكتب قصة تشبه التى رواها الرائد ابراهيم الدخاخنى إلى سلطات الأمن الأردنية مبتعداً عن التفاصيل التى قد تضر بعملياتنا المستقبلية . .و نجح الأبطال في تحقيق واحدة من أروع العمليات البحرية الخاصة فى تاريخ المنطقة .. بل وفى التاريخ البحرى العالمى .. ".
يضيف العقيد محمد رأفت في أوراقه الخاصة عن كتاب (وحوش البحر) "في الصباح اتصل بي العميد عبد الرحمن فهمي قائد القوات البحرية و قال لي في صوت يغلب عليه السرور .. يا سي محمد .. أذيع أن الضفادع البشرية المصرية أغارت على ميناء إيلات و أنهم في طريقهم للعودة سالمين .. ثم طلب مني الحضور فوراً إلى مكتبه لكتابة مقال عن هذه العملية لنشره في جريدة الأهرام صباح اليوم التالي".
كما يضيف المجند المهندس أسامة مطاوع في كتاب (وحوش البحر) "في الصباح توجهت انا و عبد الرؤوف سالم و عبد مبروك إلى عمان للقاء الضفادع و كانت فرحتنا كبيرة عندما علمنا أنهم بخير .. أما عن الشهيد فوزي البرقوقي فكان أمر أحزننا جميعاً و كان عزاؤنا انه شهيد في رحمة الله .. و قمنا جميعاً بتناول إفطار رمضان في أحد مطاعم عمان و في صباح اليوم التالي توجهنا بالسيارات إلى دمشق و منها إلى المطار ثم إلى القاهرة".
نستكمل مع أوراق البطل النقيب على عثمان " عندما خططنا للعودة لم يكن من الممكن أن نترك ضباط البحرية يعودون من خلال الطيران الأردنى فقد خشينا ان تجبر إسرائيل الطائرة على النزول إذا علمت بهوية أحد من ضباطنا فاضطررنا الى نقلهم الى دمشق براً يوم الاثنين 17 نوفمبر متفرقين و منها ركبوا طائرة مصر للطيران إلى القاهرة.
فى صباح اليوم التالى الاثنين 17 نوفمبر كانت الصحف المصرية والعربية والعالمية تشيد بالعملية الانتحارية التى قامت بها القوات المصرية فى عمق العدو و الخسائر الجسيمة التى كبدتها للعدو مما كان له اكبر الأثر فى رفع الروح المعنوية للقوات المصرية والعربية وكنت أتجول فى الشوارع بعمان مع الملازم أول عبد الرؤوف سالم و المجند مهندس أسامة مطاوع و النقيب عبد الله الشرقاوى ونسمع تعليقات الشعب الأردنى المعبرة عن فرحتهم بالعملية، حتى خطباء المساجد يوم الجمعة التالي تناولوا هذا الانتصار و دعوا بالنصر، و كنا نشعر بالفخر الكبير أننا اشتركنا فى هذه العملية".
و توالت تعليقات الجرائد و و كالات الأنباء، و تحت عنوان (اجتماعات عسكرية فى إيلات يحضرها الجنرال بارليف و قائد الجبهة الجنوبية) نقلت الاسوشيتدبرس و رويترز تصريحات لضابط اسرائيلى كبير رفض ذكر اسمه قال فيها أنه بالرغم من أن الضفادع البشرية المصرية هى التى قامت بعملية نسف السفن الاسرائيلية فى إيلات إلا أن إسرائيل تعتبر الأردن مسئولاً ايضاً و أضاف هذا الضابط ان كل دولة تتاخم اسرائيل لابد أن تتحمل مسئولية أى عمل من أعمال المقاومة أو أى عمل عدائى يقع من أراضى هذه الدولة (جريدة الأهرام 19 نوفمبر 1969).
تحت عنوان ( عمليات الكوماندوز المصرية تثير مشكلة جديدة بين إسرائيل و فرنسا ) ذكرت صحيفة الجيروزاليم بوست الإسرائيلية أن مصر لديها فى الوقت الحاضر وحدات من الكوماندوز أحسن تدريباً و أعلى كفاءة و يدل على ذلك الغارات التى شنتها القوات المصرية الخاصة ضد السفن الراسية فى خليج إيلات و ضد القيادة الاسرائيلية فى العريش والمستفاد من بعض المعلومات ان هؤلاء الفدائيين قد تلقوا تدريبهم فى فرنسا(*)، و قد صدر فى باريس بيان رسمى شديد اللهجة ينفى أن فرنسا تدرب أى قوات مصرية و قال البيان – الذى نقلته الوكالة الفرنسية و اليونايتدبرس - أنه غير صحيح على الإطلاق أن فرنسا تدرب أى جندى مصرى على عمليات الكوماندوز بل العكس هو الصحيح فقد كانت فرنسا فى الماضى تدرب قوات كوماندوز إسرائيلية (جريدة الأهرام 20 نوفمبر 1969).
*(اختلط الأمر على الإسرائيلين حيث سافرت كما ذكرنا بعثة إلى فرنسا في سبتمبر 1968 و لكنها كانت بعثة لشراء معدات و أدوات للغطس و ليست للتدريب على أعمال القتال – انظر صفحة 71).
"من أبرز الأعمال الخاصة التى وجهت ضد إسرائيل فى هذه المرحلة ما قامت به القوات البحرية – الضفادع البشرية – من توجيه عدة ضربات ناجحة ضد السفن الإسرائيلية الراسية فى ميناء ايلات نفذت أولاها يوم 15 نوفمبر 1969" (اللواء طه المجدوب في مذكراته – هزيمة يونيو، حقائق و أسرار).
"كانت عملية إيلات التى نفذت فى 15 نوفمبر 1969 هى قمة هذه الأعمال التى اشتركت فيها قوات خاصة من البحرية (ضفادع بشرية) و وجهت عدة ضربات ناجحة ضد السفن الإسرائيلية الراسية فى الميناء" الفريق كمال حسن على وزير الدفاع و رئيس الوزراء الأسبق فى مذكراته ( مشاوير العمر).
"كان رد فعل هذه العملية شديداً فى إسرائيل، للخسائر المادية والبشرية التى لحقت بهم و الأهم من ذلك انها كانت رمزاً لقدرة القوات المصرية على الوصول الى أحد الموانىء البحرية الإسرائيلية وتنفيذ مثل هذه العملية الجريئة" (المشير عبد الغني الجمسى وزير الدفاع الاسبق فى مذكراته).
كما ذكرنا من قبل كانت عملية إيلات التى نفذها رجال البحرية المصرية فى 15 نوفمبر 1969 هي رابع عملية ضفادع بشرية فى الشرق الأوسط على الإطلاق و أول عملية للواء الوحدات الخاصة و تلتها العمليات إيلات (2) وايلات (3) بالإضافة إلى عملية تدمير الحفار الاسرائيلى كنتينج Kenting فى ساحل العاج فى 8 مارس 1970 و العديد من العمليات الأخرى قبل و أثناء حرب أكتوبر 1973.
ولو كانت عملية إيلات الاولى قد فشلت أو تم قتل أو أسر أبطالها لاحتاج الأمر إلى مجهود مضاعف لإقناع قيادات القوات المسلحة بجدوى تكليف لواء الوحدات الخاصة البحرية بعملية أخرى و لكانت كل عمليات الضفادع البشرية التالية محل شك، لذلك كان نجاح العملية الأولى للواء الوحدات الخاصة البحرية في ميناء إيلات حافزاً قوياً للقيام بكل العمليات التالية ومن هنا استحقت هذه العملية مكانة متميزة فى التاريخ العسكرى المصرى.
احتجز الأبطال في مبنى المخابرات الأردنية و حيث أنهم خرجوا من مياه الخليج و هم يرتدون بدل الغطس لذا فقد تم توفير ملابس لكل فرد منهم إلا أن البطل نبيل عبد الوهاب واجه مشكلة طريفة بسبب قدمه الكبيرة حيث عجز الأردنيون عن توفير حذاءً مناسباً له (مقاس 48) .. و في نهاية الأمر لم يكن هناك بديل سوى توفير شبشب زنوبة له .. و في اليوم التالي الاثنين 17 نوفمبر انتقلت المجموعة عن طريق البر من عمان إلى دمشق و منها إلى بيروت حيث عادوا بالطائرة إلى القاهرة ليجدوا من ينتظرهم في المطار و يبلغهم رغبة الفريق محمد فوزي وزير الحربية في استقبالهم في مبنى وزارة الحربية .. شهد هذا اليوم اجتماعاً مصغراً لمجلس الوزراء في مبنى الوزارة فانتظر الأبطال بمكتب الفريق محمد صادق رئيس الأركان .. و بعد أن طالت مدة الانتظار تم الاتصال بوزير الحربية و إبلاغه أن أبطال ايلات في الانتظار فلما استفسر الحضور من الوزراء عن الأمر و قيل لهم ان أبطال إيلات في الانتظار أصروا على رفع الجلسة و إستدعاء الأبطال إلى القاعة ليستقبلوهم جميعاً معه .. و فتح باب القاعة و تقدم الأبطال وسط تصفيق الحضور و اصطفوا أمامهم و قام الرائد رضا حلمي بتقديمهم و التعريف بأدوارهم ثم تكونت حولهم مجموعات في حلقات كل مجموعة تحاور بطل منهم وتستفسر منه عن دوره في العملية و مشاعره خلالها و الكل ينظر اليهم في زهو و افتخار .. و المعروف عن الفريق محمد فوزي أنه شخص متجهم الوجه عادة .. إلا أنه يقال أن الفريق فوزي شوهد في هذا الاجتماع (و العهدة على الراوي) و هو يبتسم ..
كما شوهد أيضاً البطل نبيل عبد الوهاب في حوار جانبي مع وزير الإرشاد القومي محمد فائق .. و كان نبيل لا يزال يرتدي الشبشب الزنوبة ..
عادت المجموعة إلى الإسكندرية مساء يوم الاثنين 17 نوفمبر .. و أقيم للشهيد فوزي البرقوقي مراسم الدفن في اليوم التالي بمقابر عائلته بقرية منية جناج مركز دسوق محافظة كفر الشيخ و حضر الجنازة رفيقه البطل نبيل عبد الوهاب وعدد من زملاؤه و من قادة و رجال القوات البحرية.
تذكر بعض المصادر أنه أقيمت المواكب و الاحتفالات لاستقبال الأبطال في الإسكندرية و قدمت لهم الشركات الهدايا التذكارية إلا أن هذا الأمر عارٍ تماماً من الصحة حيث لم يعرف أحد أسماء هؤلاء الأبطال أو أدوارهم أو تفاصيل أي من العمليات التي قاموا بها إلا بعد مرور 25 عاماً و مع عرض فيلم "الطريق إلى إيلات" عام 1995.
و يتبقى سؤال هام .. إذا كانت الإشارة التي تلقتها المجموعة تشير إلى وجود السفن "بات شيفع" و "بات يام" في ميناء إيلات فلماذ لم تجدهم بالميناء عند التنفيذ؟ كان تعليق الرائد ابراهيم الدخاخني على ذلك (في كتاب وحوش البحر صفحة 46) "أن الإشارة أرسلت في الرابعة بعد الظهر و تم التنفيذ بعد ذلك بأكثر من عشرة ساعات و قد تكون السفينتان قد غادرتا موقعهم خلال تلك الفترة إلا أن هذا لا يقلل من أهمية و روعة تدمير السفينتين داليا و هيدروما".
الأبطال (من اليمين) نبيل محمود عبد الوهاب و عمر على عز الدين ومحمود أحمد سعد في زيارة لقبر رفيقهم الشهيد محمد فوزي البرقوقي في مسقط رأسه بقرية منية جناج بكفر الشيخ في نوفمبر 2019 بمناسبة الذكرى الخمسون لإستشهاده.