تمهيد
في التاسعة إلا ربع من صباح يوم الاثنين الخامس من يونيو 1967 شن جيش الدفاع الإسرائيلي هجوم جوي على مطارات مصر العسكرية دُمرت فيه معظم الطائرات الحربية و هي رابضة على الأرض فدانت للجيش الإسرائيلي السيطرة الجوية شبه التامة على سماء المعركة منذ ساعاتها الأولى .. أتاح ذلك بالتالي للقوات البرية الإسرائيلية التقدم داخل سيناء أمام القوات البرية المصرية المكشوفة و التي صدرت لها الأوامر بالإنسحاب قبل نهاية اليوم الثاني من نشوب القتال .. و مع أولى ساعات صباح يوم الأربعاء 7 يونيو – ثالث أيام الحرب – كانت طلائع الجنود المنسحبين قد وصلت إلى شوارع القاهرة و ميادينها و علامات الذهول على وجوههم لهزيمتهم في معركة لم يشتركوا فيها أساساً ..
بالإضافة إلى تدمير معظم طائرات القوات الجوية المصرية في الساعات الثلاثة الأولى، قدرت الخسائر العسكرية الأخرى بنهاية القتال (وقف إطلاق النار في الساعة السادسة من مساء السبت 10 يونيو سادس أيام الحرب) بنحو 80% من السلاح و العتاد الموجود في سيناء و أما الخسائر البشرية فتعدّت 10,000 شهيد و مفقود من الجنود و الضباط و 5,000 أسير (خطاب الرئيس جمال عبد الناصر في 23 نوفمير 1967 أمام مجلس الأمة) بالإضافة إلى إحتلال العدو الإسرائيلي لشبه جزيرة سيناء.
لا يزيد عدد من عايشوا تلك الأحداث اليوم عن 10% فقط من المصريون ما زالوا يشعرون بالغصة في حلوقهم كلما حلت ذكراها الأليمة و ذكرى مشاعر المهانة و الإنكسار التي عمت في نفوس الشعب المصري بجميع أطيافه .. كذلك العبور العظيم في أكتوبر 1973 الذي لم يعايش أحداثه ثلاثة أرباع المصريون حالياً فكيف لهم أن يدركوا قيمته في استرداد الكرامة المجروحة أو أن يدركوا معناه بالنسبة لمن عاصروا هزيمة يونيو و الدمار الذي خلفته مادياً و معنوياً أو أن يقدروا التضحيات التي قدمها شعب بأكمله عن طيب خاطر في سبيل محو الهزيمة و تحقيق هذا النصر.
كانت هناك عقب هزيمة يونيو 1967 ضرورة ملحة لرفع الروح المعنوية للجيش و من خلفه الشعب لكي تبدأ الدولة في إزالة أثار العدوان و إعادة بناء القوات المسلحة بنجاح .. و لم تمضى سوى أسابيع قليلة حتى تهيأت الفرصة لذلك حينما حاولت القوات الإسرائيلية احتلال بورفؤاد و التى كانت المنطقة الوحيدة من سيناء التي ظلت تحت السيطرة المصرية فتصدت لها القوات المصرية فيما عرف بإسم "معركة رأس العش" و أجبرتها على الانسحاب لتعلن للعالم عن صمود الجندي المصري و تجدد عزيمته.
و توالت بعد ذلك الجولات يعززها تماسك الشعب خلف جيشه، و ثابر الجميع و ضحى و صبر حتى تحقق العبور المجيد في أكتوبر 1973 .. و فيما يلي بعض من قصص البطولات لشباب مصري لم يتردد لحظة في أن يضع حياته في كفة و رفعة بلاده و كرامتها في الكفة الأخرى توجهه قيادة واعية تعلمت الدرس و وعته .. ثم درست و خططت و دربت .. ثم نفذت عمليات عسكرية ناجحة شهد لها العدو قبل الصديق حتى أصبحت أمثلة تدرّس فى أرقى المعاهد العسكرية حول العالم.
هذا الكتاب ليس مجرد توثيق لتلك البطولات بقدر ما هو محاولة لإحياء جذوة الوطنية و التضحية و الإيثار في نفوس شباب اليوم بتقديم قصص لبطولات أبائهم و أجدادهم حينما كانوا شباباً مثلهم في العشرينيات من عمرهم من أجل رفعة مصرنا الحبيبة .. عسى أن يجدوا فيها القدوة و المثال ..