"إنكم يجب أن تبذلوا أقصى جهد للخلاص من هذا الرجل الذى يفتح الطريق للتسلل الشيوعى .. لماذا تصبرون عليه ؟"
من حديث الملك فيصل إلى السفير الأمريكي للمملكة العربية السعودية باركر هارت Parker T. Hart ، أما "الرجل" المشار اليه في الحديث فهو الرئيس المصري جمال عبد الناصر – ( وثيقة رقم 36651/43 بتاريخ 19 أغسطس 1964 وزارة الخارجية الأمريكية – و مصادر أخرى عديدة).
اتحدت القوى الأوروبية للقضاء على تطلعات الوالي محمد على باشا فتناست خلافاتها و وحدت صفوفها و قضت على الأسطول المصري في نافارين(*) في أكتوبر 1827 "Battle of Navarino" و فقدت مصر أكثر من ثلاثة آلاف قتيل و خمسة آلاف أسير في حرب الاستقلال اليونانية التي لم يكن لها فيها ناقة و لا جمل، ثم توحدت القوى الأوروبية مرة ثانية للقضاء على مشروع الوالى لتوحيد بلاد الشام مع مصر تحت إمرته و أجبرته على التخلي عن هذا الحلم لتحول بين قيام دولة قوية تحل محل السلطنة العثمانية الضعيفة بما قد يهدد مصالحهم في طرق التجارة بين الشرق والغرب، فكان ذلك مرة تحت اسم اتفاقية كوتاهيا عام 1833 "Convention of Kutahya" التي أوقفت زحف جيوش ابراهيم باشا ابن محمد علي باشا نحو الأسَتَانة ثم مرة ثانية بعد قيام الأسطول البريطاني بقصف موانى مصر والشام لتجبر جيوش ابراهيم باشا على الإنسحاب من الشام و كريت بعد خسارتها لنصف جنودها و تحت تهديد مدافع الأسطول البريطاني الموجهة نحو سواحل الإسكندرية كما أجبرت الوالي على قبول معاهدة لندن 1840 "Convention of London" بشروطها المخزية كما وردت في فرمان 13 فبراير 1841 من تقليص لقوة الجيش المصري و سداد جزية سنوية قدرها ربع إيرادات البلاد و تطبيق بنود معاهدة بلطة ليمان 1838 "Balta-Liman" بتحرير التجارة و إلغاء الإحتكارات التجارية التي جعلت من محمد علي أغنى شخص في مصر .. و كان المقابل الذي ارتضاه الوالى ثمناً للأرواح التي أزهقت و الثروات التي أهدرت في سبيل تحقيق أمجاده الشخصية هو أن تصبح ولاية مصر وراثية محصورة بين أبناءه وأحفاده.
*(تم في ذات الموقعة من حرب الإستقلال اليونانية القضاء شبه التام على الأسطول الجزائري مما سهل لفرنسا احتلال الجزائر عام 1830 و هو الإحتلال الذي استمر لمدة 130 عاماً).
تكررت تلك المخاوف بظهور الرئيس جمال عبد الناصر مع تغيّر الظروف بعد حربين عالميتين انقسم العالم بعدهم إلى قطبين، معسكر شرقى شيوعى اشتراكى و معسكر غربى رأسمالى كما برزت للمملكة العربية السعودية أهمية بظهور أكبر احتياطى للنفط في العالم بأراضيها(*) فأسرعت الولايات المتحدة زعيمة المعسكر الغربي بالتعهد بحماية مصالح الأسرة الحاكمة مقابل توفير النفط للولايات المتحدة (و هو ما عرف بإسم اتفاقية كوينسي "Quincy Pact" في إشارة إلى اسم السفينة الحربية الأمريكية التي عقد على سطحها لقاء بين الرئيس فرانكلين روزفلت و الملك عبد العزيز بن سعود بالبحيرات المرة في قناة السويس يوم الأربعاء 14 فبراير 1945 – فور إنتهاء مؤتمر يالطا – حيث وضعت أسس هذا الاتفاق الذي يتنهي بعد 60 عاماً .. و في عام 1973 قام الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون بإضافة شرط أن يكون الدولار الأمريكي هو عملة التداول الوحيدة لتجارة النفط و ذلك في أعقاب قرار إلغاء التحويل من الدولار الأمريكي إلى الذهب في أغسطس 1971، ثم قام الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن بتجديد الإتفاقية عام 2005 لمدة 60 عاماً أخرى تنتهي عام 2065) كما أن ظهور النفط في دول الخليج العربي و في ايران و العراق و ليبيا جعل المنطقة بأكملها المصدر الأكبر و الأهم للطاقة في العالم أجمع و أخيراً قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين عام 1948 لتقسم العالم العربي إلى نصفين بعد ارهاب و طرد و تشريد الشعب الفلسطيني من وطنه.
*( مع بداية عام 2011 حلت دولة فنزويلا محل المملكة العربية السعودية في احتلال المركز الأول لأكبر احتياطيات النفط المؤكدة في العالم و ازداد منذ ذلك الحين اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بحقوق شعب فنزويلا في حياة ديمقراطية سليمة و تجلى ذلك في فرض عقوبات اقتصادية علي البلاد و التهديد بالتدخل العسكري من أجل تحقيق الديمقراطية والحرية و الرخاء لشعب فنزويلا).
لم تمانع أي من القوى الدولية من قيام الضباط الأحرار بعزل الملك فاروق (يوليو 1952) ثم إلغاء الملكية (يونيو 1953) و اعتبروه شأناً داخلياً، فلما ظهر نجم جمال عبد الناصر و بدأت اتجاهاته تتضح رويداً بداية برفضه الانضمام إلى أحلاف عسكرية موالية للغرب (حلف بغداد فبراير 1955) ثم اتجاهه نحو تكوين تجمع لدول ما أطلق عليه اسم العالم الثالث تحت اسم حركة عدم الانحياز (مؤتمر باندونج ابريل 1955)، مُنع عنه السلاح الغربي في حين أن إسرائيل كانت تحصل على ما تشتهي من صنوف السلاح الحديث، فلما تمت صفقة الأسلحة الروسية المسماة بالصفقة التشيكية و بالصفقة البولندية والتي كان عرابها شواين لاي وزير الخارجية الصيني حينئذاً (سبتمبر 1955) قامت الولايات المتحدة الأمريكية بسحب
عرضها لتمويل السد العالي (19 يوليو 1956) و تبعها على الفور البنك الدولي بسحب عرضه للتمويل، فكان الرد المصري بعد أسبوع واحد هو تأميم قناة السويس (26 يوليو 1956) و الذي كان بداية ما عرف بإسم أزمة السويس "Suez Crisis" التي تطورت إلى العدوان الثلاثي على مصر (29 أكتوبر – 22 ديسمبر 1956).
و هنا يجب أن نذكر قصة أزمة السويس بشئ من التفصيل من أجل 95% من الشعب المصري الذين لا يعلمون عنها شيئاً و بالذات مع انتشار مقولة أن تأميم قناة السويس كان خطأً و أنها كانت ستعود لمصر عام 1968 دون الحاجة إلى تأميم و ما تبعه من تداعيات كان يمكن تجنبها، فلقد كانت شركة قناة السويس دولة داخل الدولة بمعنى الكلمة لها علمها الخاص ولها شفرة خاصة لمراسلاتها و يعامل رئيسها معاملة رؤساء الدول و لا دخل لمصر في ادارتها و لا نصيب لها من أرباحها بعد أن باع الخديوي إسماعيل أسهم مصر في الشركة عام 1875 في محاولة لسداد جزء من ديون مصر، و كان 90% من العاملين بها أجانب لهم حي سكني خاص بهم محظور على المصريين دخوله بينما يشغل المصريون العاملون بها المراتب
الدنيا من وظائفها، و لا يملك مسئول مصري محاسبة الشركة على تصرفاتها حتى أنها ساهمت في دعم المجهود الحربي للحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية بل وساهمت في تدعيم الحركة الصهيونية (ملفات السويس حرب الثلاثين عام صفحة 128) بالإضافة إلى أنها كانت تخطط بالفعل لتمديد فترة الامتياز (انظر كتاب د. على الحفناوي – المصادر).
لذلك كان تأميم الشركة صدمة كبيرة لانجلترا و لفرنسا أصحاب المصلحة الأكبر و أصحاب الإمتياز في الأرباح حيث كان يتم أولاً استقطاع 10% من أرباح القناة لفرنسا و 15% لانجلترا فكان أول رد فعل لهم هو تجميد أرصدة القناة لديهم كما قاموا بإستدعاء قواتهم الاحتياطية .. تم تداول الأزمة في الأمم المتحدة حتى أعلن الرئيس الأمريكي أيزنهاور يوم 4 سبتمبر التزام بلاده بحل الأزمة سلمياً و كان من الممكن أن يتم ذلك بالفعل بعد أن توصل مجلس الأمن إلى صيغة تسوية تقوم على ستة مبادئ وافقت مصر و بقية الأطراف المعنية عليها (بما فيهم فرنسا و انجلترا) و دعى داج همرشولد الأمين العام للأمم المتحدة جميع الأطراف إلى عقد أول اجتماع لهم يوم 29 أكتوبر في جينيف بسويسرا لبحث سبل تنفيذ تلك التسوية .. و لكن كانت هناك مؤامرة خسيسة تدبر في الظلام ..
تم في يوم الاثنين 22 أكتوبر عقد اجتماع في ضاحية سيفر Sèvres غرب العاصمة الفرنسية باريس استمر لفترة يومين وحضره ممثلون عن فرنسا (وزير الخارجية كريستيان بينو Christian Pineau و وزير الدفاع بورجيه مونوري Bourgès -Maunoury و رئيس الأركان الجنرال موريس شاليه Maurice Challe) و عن انجلترا (وزير الخارجية سيلوين لويد Selwyn Lloyd) و عن إسرائيل (رئيس الوزراء ديفيد بن جوريون و وزير الدفاع شيمون بيريز و رئيس الأركان موشى ديان) حيث تم التوقيع على وثيقة عرفت بإسم "اتفاقية سيفر Protocol of Sèvres" و التي تضمنت الخطوط العريضة للخطة المشتركة المزمع القيام بها بهدف إستعادة السيطرة على قناة السويس و القضاء على الرئيس جمال عبد الناصر، و أطلق على العملية الاسم الرمزي "Operation Musketeers" المستوحى من اسم رواية "الفرسان الثلاثة" للكاتب الفرنسي ألكسندر ديماس و شتان الفرق بين الأبطال من فرسان الرواية المشهورة و بين فرسان الغدر و الخيانة.
منذ أن لاح احتمال التدخل العسكري الأنجلو فرنسي كان قد تم سحب القوة الرئيسية للجيش المصري من سيناء (عدا ستة كتائب) إلى منطقة القناة، و بينما كان التفاؤل يسود العالم لقرب حل الأزمة سلمياً بدأ الفصل الأول من المسرحية قبل غروب شمس يوم الاثنين 29 أكتوبر حين أطلقت إسرائيل "العملية قادش Operation Kadesh" حيث تم إسقاط الكتيبة 890 مظلات الإسرائيلية (الكتيبة من 300 إلى 1000 جندي) بقيادة العقيد رافائيل إيتان شرق ممر متلا بسيناء في منطقة خالية من السكان و من أي تواجد عسكري ثم أعلنت إسرائيل عن نيتها الوصول إلى القناة التي تبعد عن موقع إنزال الكتيبة نحو 60 كيلومتر غرباً .. و في صباح اليوم التالي الثلاثاء 30 أكتوبر بدأ الفصل الثاني من المسرحية بتوجيه فرنسا وانجلترا انذار للطرفين – إسرائيل المعتدية بكتيبة واحدة معزولة أشارت أنها متجهة إلى القناة رغم أنها لم تبرح موقعها شرق ممر متلا، و مصر المعتدي عليها – بالإنسحاب لمسافة عشرة أميال شرق و غرب القناة بحجة تأمين هذا الممر الملاحي الدولي الهام !! .. قبلت إسرائيل الإنذار على الفور بشرط موافقة مصر بينما رفضته بالطبع مصر .. فكان الفصل الثالث والأخير من المؤامرة هو هجوم أساطيل التحالف الإنجلو فرنسي براً و بحراً و جواً على مدينة بورسعيد وشعبها الأعزل يوم الأربعاء 31 أكتوبر كما قامت طائرات التحالف في مساء نفس اليوم بالإغارة على المطارات الحربية المصرية لتدمر طائرات السلاح الجوي المصري، و مع قرار إنسحاب القوات المصرية من سيناء في نفس الليلة أصبح الطريق ممهداً أمام القوات الإسرائيلية للإنطلاق على عدة محاور لتنتشر على معظم أرض سيناء.
في خلال أيام قليلة في خلال أيام قليلة كان العالم أجمع قد أعلن استنكاره للإعتداء على مصر و في يوم الجمعة 2 نوفمبر أصدرت الأمم المتحدة قرار بوقف القتال و في يوم السبت 3 نوفمبر وجه الإتحاد السوفيتي إنذاراً إلى كل من بريطانيا وفرنسا و إسرائيل و في النهاية اضطرت القوات الفرنسية والإنجليزية المعتدية – تحت ضغط الأمم المتحدة و مجلس الأمن و تصاعد التنديد العالمي الشديد – إلى قبول وقف إطلاق النار يوم الأربعاء 7 نوفمبر (كانت القوات المعتدية قد توغلت 30 كيلومتر جنوب بورسعيد) ثم إلى الإنسحاب يوم السبت 22 ديسمبر 1956 .. أما إسرائيل فقد كان هدفها إحتلال سيناء و كانت قواتها قد وصلت إلى الضفة الشرقية لقناة السويس يوم الأحد 4 نوفمبر، و في يوم الثلاثاء 6 نوفمبر أرسل رئيس الوزراء بن جوريون رسالة إلى رئيس الأركان موشى ديان يبلغه فيها عن "مولد مملكة إسرائيل الثالثة" و مضاعفة مساحة إسرائيل أربعة مرات ثم أعلن أمام الكنيست في اليوم التالي الأربعاء 7 نوفمبر عن أن "مكانة إسرائيل تتحدد هذه الأيام" و تم إعداد وثيقة لإعلان أن سيناء تقع تحت السيطرة الإسرائيلية و ما يتبع ذلك من سريان القانون الإسرائيلي عليها كما تم إعداد مسودات لأنظمة الطوارئ التي
ستطبق في سيناء إلا أن الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور عارض النوايا الإسرائيلية بشدة حتى لا يعطي الفرصة للإتحاد السوفيتي للقيام بدور في الشرق الأوسط كما عارضها أيضاً القانونيون في الحكومة الإسرائيلية لتعارض تلك الخطوة مع ميثاق جينيف و القانون الدولي و ما قد ينتج عنها من مشاكل قانونية فرضخ بن جوريون و لم يوقع الوثيقة (مقال صحيفة هأرتز الإسرائيلية/الجمعة 29 ديسمبر 2016 – عن الوثائق التي تم الكشف عنها بعد مرور 60 عاماً) .. بالرغم من ذلك فقد استغلت إسرائيل الموقف لتماطل في الإنسحاب من سيناء بحجة أن مصر تمنعها من المرور عبر قناة السويس(*) و تهدد سفنها في خليج العقبة ولم تنسحب إلا بعد حصولها على ضمانات لمرور سفنها في خليج العقبة تحت رقابة قوات الأمم المتحدة و وقفت جولدا مائير أمام الأمم المتحدة في الأول من مارس 1957 (وزيرة الخارجية الإسرائيلية أنذاك) تهدد وتتوعد بمنتهى الصفاقة أن إعادة إغلاق خليج العقبة أمام سفن إسرائيل سيكون بمثابة "casus belli" و هو اللفظ اللاتيني الذي يعني توافر سبب كافي لإعلان الحرب، وفيما بعد سقط من حكومات فرنسا و انجلترا من خططوا لهذا العدوان كما يشير المؤرخين إلى أن أهم تداعيات الأزمة كان سقوط بريطانيا كقوة عظمى.
*(تم إتخاذ قرار منع السفن الإسرائيلية من المرور عبر قناة السويس في مايو 1948 عقب تأسيس دولة إسرائيل و تبع ذلك قرار إغلاق خليج العقبة أمام الملاحة الإسرائيلية في يناير 1950 عقب احتلال إسرائيل لأم الرشراش/ميناء إيلات حالياً في مارس 1949 .. كان شرط عبد الناصر الوحيد للسماح للسفن الإسرائيلية بالمرور عبر القناة و الملاحة في خليج العقبة هو أن تنفذ إسرائيل قرارات الأمم المتحدة الصادرة بشأن فلسطين و حقوق شعب فلسطين .. و هي القرارات التي لم ينفذ أي منها حتى اليوم).
هذه هي قصة أزمة السويس و العدوان الثلاثي على سيناء و على مدينة بورسعيد و شعبها الأعزل و التي ما يزال البعض يصر على الإشارة اليها بأنها "هزيمة عسكرية لمصر" و أنها "مغامرة فاشلة لعبد الناصر" في حين أنها كانت مؤامرة دنيئة من تحالف ثلاثة قوى عسكرية تفوقها عدداً و عدة، و يذكر السيد أمين هويدي في كتابه (الفرص الضائعة صفحة 40) أن المحرك الحقيقي للأزمة لم يكن أبداً تأميم القناة بل كان الرد على تحدي عبد الناصر للغرب و كسر حظر التسليح المفروض عليه بإبرامه لإتفاقية التسليح مع الإتحاد السوفيتي في سبتمبر 1955 فكان تأميم القناة هو الذريعة للتدخل.
أتمت إسرائيل إنسحابها من سيناء يوم الأربعاء 13 مارس 1957 و أخذت قوات طوارئ الأمم المتحدة مواقعها في شرم الشيخ و على الحدود المصرية الإسرائيلية و أصبح لإسرائيل حق المرور في خليج العقبة و انتهت بذلك "أزمة السويس" بينما خرجت مصر بإنتصار سياسي كبير أصبح على أثره عبد الناصر زعيماً ترفع صوره شعوب العالم العربي والعالم الثالث كلها و هو الأمر الذي أثار قلق العائلات الملكية في الوطن العربي من ناحية كما أثار بوادر تنامي دور الاتحاد السوفيتي في مصر قلق الولايات المتحدة الأمريكية و المعسكر الغربي من ناحية أخرى.
و هنا يجب الإقرار بأن سياسات الغرب هي التي دفعت الرئيس عبد الناصر دفعاً إلى أحضان الدب الروسي فلقد واجهت مصر بعد يوليو 1952 مشكلتان رئيسيتان تتمثل الأولى في 80 ألف جندي بريطاني على أرضها و الثانية في قيام دولة إسرائيل التي تهدد حدودها الشرقية و التي لم تتوقف عن استفزاز مصر داخلياً و خارجياً منذ نشأتها في مايو 1948 مروراً بيوليو 1952 و قيام الجمهورية لإرغام مصر على قبول الصلح معها، لذا كانت هناك ضرورة ملحة لسرعة تسليح الجيش المصري وكما ذكرنا فقد نظر العالم الخارجي إلى عزل الملك فاروق و إلغاء الملكية كشأن داخلي للبلاد إلا أنه كان للولايات المتحدة أولوياتها الخاصة و هي تحاول تطويق الاتحاد السوفيتي بحزام من التحالفات فبينما كانت مصر تريد السلاح لحماية نفسها وفقاً لتعهدات البيان الثلاثي لعام 1950، كان جون فوستر دالاس وزير الخارجية الأمريكي يساوم من أجل أن يكون ثمن الإستجابة لمطالب تسليح مصر هو إنضمامها إلى "حلف بغداد"، فلما رفض عبد الناصر ذلك أوصدت أمامه أبواب تزويده بالسلاح الأمريكي و لما لجاء إلى بريطانيا مطالباً بالوفاء بالتزماتها بتسليح مصر وفقاً للتصريح الثلاثي لعام 1950 لم يجد استجابة فبريطانيا هي صاحبة الدعوة لقيام "حلف بغداد" فلما لجاء إلى فرنسا و كادت صفقة أن تتم إذا بجهود اللوبي الصهيوني هناك تنجح في اصدار قراراً بمنع تصدير السلاح إلى مصر بسبب دعمها للثوار في الجزائر (تم تحويل الصفقة من مصر إلى إسرائيل نكاية في مصر) .. و أخيراً كان قيام إسرائيل بغارات عديدة على مصر نذكر منها احتلال أم الرشراش عام 1949 (ميناء إيلات حالياً) وعمليات غزة 28 فبراير و الكونتلا 28 أكتوبر ثم العوجا 2 نوفمبر خلال عام 1955 و التي تكبدت مصر خلالها أكثر من 120 شهيد مما دفع بعبد الناصر دفعاً إلى طرق أبواب الاتحاد السوفيتي الذي انتهزالفرصة و استجاب لطلب مصر، فلما تواصل الضغط بالسحب المهين لعروض تمويل السد العالي(*) ثم العدوان الثلاثي لم يتبق أمام عبد الناصر أي بديل سوى الاتحاد السوفيتي مرحباً وحاضراً بالسلاح و بالقروض و بالخبراء ثم بالمزيد من السلاح و القروض و الخبراء و بداية عصر التغلغل السوفيتي في مصر و في المنطقة.
*(في 27 ديسمبر 1958 وقعت اتفاقية تمويل الاتحاد السوفيتي لبناء السد العالي الذي تم تصنيفه كأحد أكبر المشروعات الهندسية خلال القرن العشرين و الذي أنقذ مصر من الفيضانات و الجفاف لسنوات عديدة).
و هكذا – و ما بين حظر السلاح الغربي و سحب تمويل السد العالي و استمرار الاستفزازات الإسرائيلية لإرغام مصر على قبول الصلح بالقوة ثم العدوان الثلاثي على مصر – فرض الاختيار السوفيتي نفسه على عبد الناصر فرضاً .. ثم توالت مواقف عبد الناصر المزعجة للمعسكر الغربي فمن اعتراف بالصين الشعبية (1956) إلى مساندة حركات التحرير و مصالح الدول في العالم العربي(*) و أفريقيا إلى الوحدة مع سورية الشقيقة (فبراير 1958) رداً على مؤامرة التدخل العسكري التركية الإسرائيلية في أكتوبر 1957 لتستيقظ تركيا و تجد دولة تعدادها 30 مليون نسمة على حدودها بينما وجدت إسرائيل نفسها محاطة بدولة واحدة تحيطها شمالاً و جنوباً، و كان بالطبع لتأميم الشركات و المصالح الأجنبية في مصر (1961) دور اضافي إلا أنه يظل على رأس تلك المواقف فتح الباب أمام النفوذ السوفيتي الذي استغل الفرصة ليقفز فوق حواجز "حلف بغداد" و يتواجد في أكبر بلد عربي بالمنطقة و ليصبح بعدها المورد الأساسي للسلاح لمصر و "حليفها" الأول و ليلتقي المعسكر الغربي مع إسرائيل و يتوحد هدفهم في القضاء على عبد الناصر.
*(وقعت مصر اتفاقية دفاع مشترك مع السعودية في 27 اكتوبر 1955 لكي تساند المملكة في أزمة واحة البوريمي التي احتلتها القوات البريطانية و قد وقعها عن الجانب السعودي ولي العهد فيصل بن عبد العزيز).
كما ساندت مصر ثورة العراق في 14 يوليو 1958 التي أطاحت بالمملكة العربية الهاشمية و التي انسحبت بالتالي من "حلف بغداد" مما عجل بإنهيار الحلف ذاته وأتاح الفرصة لمزيد من تغلغل النفوذ السوفيتي في المنطقة، فكان ذلك سبباً لمزيد من القلق للجانب الإسرائيلي لدواعي أمنية كما أثار أيضاً قلق الأسر الحاكمة في المملكة العربية السعودية و المملكة الأردنية الهاشمية و غيرهم خوفاً من انتشار عدوى الحركات الثورية اليهما خصوصاً في ظل مساندة مصر لانتفاضات بلدان الخليج العربي(*) و ليلتقي المعسكر الغربي مع إسرائيل مع ملوك العرب و يتوحد هدفهم في القضاء على عبد الناصر.
*(تمت محاولة لانقلاب عسكري ضد حكم آل سعود أعد لها بعض ضباط الطيران في يونيو 1969 إلا أن ضباط المخابرات الأمريكية بالمملكة اكتشفوا المحاولة و قاموا بإبلاغ الملك فيصل و أحبطت المحاولة قبل ساعات من وقوعها و أمر الملك فيصل بإلقاء الضباط الانقلابيين من الطائرات فوق صحراء الربع الخالي كما أمر أن يقتصر تعيين ضباط سلاح الطيران فيما بعد على الأمراء من شباب أسرة آل سعود).
و مهما اختلفنا حول أسلوب نظام الحكم الشمولي الذي أتبعه الرئيس جمال عبد الناصر و الاقتصاد الموجه و حملات التأميم و التمصير التي قضت على الصالح مع الطالح و أدت إلى تقلص دور القطاع الخاص المصري و هروب الاستثمارات الأجنبية إلا أن مصر نجحت في تحقيق إكتفاءً ذاتياً في كافة المحاصيل الزراعية (عدا القمح 80% فقط) كما قامت بها نهضة صناعية كبيرة في مجالات عديدة (أفسد نجاحها في بعض الحالات إسناد إداراتها إلى أهل الثقة بدلاً من أهل الخبرة) و كانت المحصلة النهائية لكل ذلك هي ارتفاع معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي للبلاد بمتوسط 6% سنوياً ما بين عامي 1957-1967 (تقرير البنك الدولي مع تقارير و مقالات أخرى - أنظر المصادر).
استمر لمصر دورها الريادي بين دول العالم الثالث فبعد دورها الرئيسي في تأسيس حركة عدم الانحياز التي ضمت 29 دولة تمثل نصف سكان العالم قامت بدور رئيسي في تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية (1963) و تأسيس منظمة التعاون الإسلامي (1969) مما دعم مركز جمال عبد الناصر كأحد زعماء العالم الثالث، كما ساندت مصر حركات التحرير و دافعت عن مصالح الشعوب في البلاد العربية و الأفريقية و يذكر أنه بحلول عام 1960 كانت 18 دولة أفريقية قد نالت استقلالها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، و غني عن الذكر استمرار دور مصر البارز في الدفاع عن القضية الفلسطينية.
و أخيراً و مع اندلاع ثورة اليمن الشمالي بقيادة اللواء عبد الله السلال (سبتمبر 1962) ازداد توتر المملكة فقامت بمساندة الإمام البدر لوأد الثورة الوليدة، فلما استنجد قادة الثورة بمصر استجابت لهم بتقديم العون العسكرى(*) و هنا لم تتردد المملكة لحظة واحدة عن التحالف مع إسرائيل برعاية المخابرات البريطانية لتزويد القوى الملكية المعزولة في اليمن بالسلاح و بالجنود حيث قامت إسرائيل بتوفير احدى طائرات النقل من طراز ستراتوفريتير لنقل الجنود المرتزقة والسلاح والذخيرة من إسرائيل لتطير ليلاً بمحاذة الساحل السعودي و تفرغ حمولتها في اليمن ثم تتزود بالوقود في الصومال لتعود من حيث أتت و بدأت أولى تلك الرحلات في مارس 1964 و استمرت لمدة سنتين أتمت خلالهم 14 رحلة تحملت المملكة كامل تكلفتهم و التي قدرت بنحو 15 مليون دولار فيما عرف بإسم "عملية النيص Operation Porcupine or Gravy".
(كانت توصية أنور السادات أن واجب مصر القومي يحتم عليها التدخل عسكرياً و كان هو المسئول طوال سنوات حرب اليمن عن الجهد السياسي و كانت توصية المشير عامر أن لباب المندب أهمية استراتيجية لمصر و كان مسئول عن الجهد العسكري "لمصر لا لعبد الناصر/ محمد حسنين هيكل/ صفحة 57 – حروب مع عبد الناصر/ أمين هويدي").
تطورت الأمور حتى أصبح الوجود العسكري المصري في اليمن يمثل حوالي ثلث القوات البرية المصرية، ومع تصاعد التوتر و المواقف الإستفزازية و أخرها قيام بعض الطائرات الحربية المصرية بإختراق المجال الجوي السعودي عدة مرات، أثار هذا الأمر الملك فيصل بشدة فلم يجد أمامه من سبيل سوى دعوة السفير الأمريكي للاجتماع به فوراً و حث بلاده على التعامل مع الموقف و هو اللقاء الذي قال فيه كلماته المذكورة في بداية هذا الفصل الداعية إلى "الخلاص من هذا الرجل"(*).
*(شهد عام 1962 نهاية التقليد القائم منذ عصر الخليفة عمر بن الخطاب على إرسال موكب كسوة الكعبة الشريفة من مصر إلى مكة و هو ما اشتهر منذ عهد شجرة الدر بإسم "المحمل الشريف ").
أما بالنسبة لإسرائيل فقد تجنبت مصر الدخول في أي مواجهة معها عقب يوليو 1952 و تفرغت لقضية جلاء القوات البريطانية عن أرضها إلا أن إسرائيل دأبت على اعتراض تلك الجهود و الضغط على مصر لقبول الصلح معها و قامت في سبيل ذلك بعدة عمليات تخريبية ضد المصالح البريطانية و الأمريكية في مصر أشهرها فضيحة لافون (1954) كما قامت بالإعتداء على غزة و معسكرات الجيش المصري شمال سيناء عدة مرات ثم أخيراً اشتركت في العدوان الثلاثي على مصر (1956).
من ناحية أخرى دأبت مصر على الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني و مناصرة قضيتهم في المحافل الدولية و تزعمت حركات المقاطعة لإسرائيل(*) و ساهمت في إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية (1964) و كانت مصر بلا جدال – رغم التفوق العسكري الإسرائيلي الدائم – هي الجانب الأكثر خطورة على الدولة الإسرائيلية.
*(بدأت المقاطعة منذ عام 1920 حين قرر مؤتمر الجمعية الإسلامية المسيحية المنعقد بالقدس مقاطعة التعامل مع اليهود بالبيع و الشراء ثم انتقلت إلى المستوى الرسمي عام 1945 عندما قررت الجامعة العربية مقاطعة المنتجات اليهودية في فلسطين و بعد قيام دولة إسرائيل في مايو 1948 تم تشكيل جهاز رسمي تابع للجامعة العربية للإشراف على مقاطعة المنتجات الإسرائيلية).
و للدلالة على المكانة التي وصل اليها تأثير جمال عبد الناصر في بعث التضامن العربي و قدرته على تحريك شعوب المنطقة – و هو الأمر الذي ضاعف من قلق الأطراف المعادية له – نورد قصة سفينة البضائع المصرية "كليوباترا" التي وصلت إلى ميناء نيويورك يوم الأربعاء 13 أبريل 1960 حيث نجحت جهود النفوذ الصهيوني هناك فى حث نقابة عمال الميناء على عدم التعامل مع السفينة المصرية بالشحن أو التفريغ أو التموين للضغط على مصر للسماح لسفن إسرائيل بالمرور في قناة السويس.
عندما وصل الخبر إلى الرئيس عبد الناصر توجه على الفور إلى مبنى الإذاعة المصرية حيث قام بإلقاء كلمة لمدة خمس دقائق شارحاً ما جرى للباخرة و أبعاد الأزمة، و طالب اتحاد عمال الموانئ العربية بالرد الفوري بالمثل في تعامله مع السفن الأمريكية، و تصاعد الأمر برفع شكوى عاجلة من الشركة المالكة للسفينة أمام القضاء الفيدرالي الأمريكي كما نُظر الأمر أمام الكونجرس الأمريكي و لكن ظهر الوجه القبيح للسياسة الأمريكية المنحازة إلى إسرائيل و رُفضت الشكوى فما كان من اتحاد عمال المواني العربية إلا أن اجتمع ليوجه انذاراً للولايات المتحدة الأمريكية بمقاطعة السفن الأمريكية في كافة مواني بلادهم إذا لم تحل أزمة السفينة "كليوباترا" و حددت لذلك مهلة تنتهي بمنتصف ليلة الجمعة 29 ابريل.
انتهت المهلة بدون حل للأزمة فقام اتحاد عمال المواني العربية بتنفيذ تهديدهم و قاموا بمقاطعة السفن الأمريكية في مواني بلادهم بما في ذلك مواني البلاد التي لم تكن على وفاق مع عبد الناصر و هنا تدخل الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور و الأمين العام للأمم المتحدة داج همرشولد لإنهاء الأزمة خاصة بعد أن ظهرت وطأة أثار المقاطعة العربية للسفن الأمريكية، و في النهاية استسلمت نقابة عمال ميناء نيويورك و رضخت لتهديد اتحاد عمال الموانئ العربية و تم يوم الجمعة 6 مايو تفريغ وشحن و تموين السفينة المصرية فكانت هزيمة قاسية للتحالف الأمريكي الصهيوني في عقر دارهم(*).
*(تذكر بعض المصادر أن هذه الأزمة أنتهت في خلال 48 ساعة و هو أمر غير صحيح).
ساندت الولايات المتحدة الأمريكية زعيمة المعسكر الغربي دولة إسرائيل منذ نشأتها و كانت أول دولة تعترف بها (و كان الاتحاد السوفيتي ثاني دولة) و ظلت المدافع الأول عنها في كل المحافل الدولية ضامنة لها التفوق في السلاح على كل الجيوش العربية مجتمعة مع تعهد اضافي بالتدخل المباشر لصالحها اذا لاح خطر هزيمتها عسكرياً(*) كما تكفلت وكالة المخابرات المركزية الامريكية بتقديم المعلومات عن أوضاع القوات المصرية بصورة دائمة و توفير و نقل الأسلحة و الذخائر إلي إسرائيل و تجنيد متطوعين للحرب معها، و هي السياسة التي تبلورت في عهد الرئيس جونسون حيث تضاعف حجم المساعدات الامريكية العسكرية و الإقتصادية لإسرائيل كما تمت أول زيارة رسمية لرئيس وزراء إسرائيلي إلى الولايات المتحدة الأمريكية (ليفي أشكول عام 1964) و تمت كذلك الموافقة على أولى صفقات الأسلحة الأمريكية الهجومية الثقيلة لإسرائيل لتصبح الولايات المتحدة المورد الرئيسي للسلاح لإسرائيل.
و قد تواصل الخلاف بين الولايات المتحدة و بين مصر منذ صفقة الأسلحة التشيكية/البولندية (1955) التي منحت الاتحاد السوفيتي الفرصة للتواجد في أكبر بلد عربي في الشرق الأوسط حتى وصل إلى درجة الاشتراك في محاولات لاغتيال الرئيس جمال عبد الناصر منذ نهاية الخمسينيات و أوائل الستينيات من القرن الماضي (الخطة ألفا لإستمالة عبد الناصر فلما فشلت استبدلت بالخطة أوميجا لعزله) و تصاعد الصدام في عهد الرئيس ليندون جونسون الذي رفض عبد الناصر الموافقة على طلبه حق التفتيش على المفاعل النووي المصري وعلى مصانع الطائرات والصواريخ المصرية فكان عقاب جونسون لمصر هو وقف مبيعات القمح لها.
و مع تصاعد الصدام تصاعدت أيضاً صورة عبد الناصر بين شعوب العالم الثالث كبطل من أبطال النضال ضد الإمبريالية والإستعمار الغربي أمثال الأرجنتيني جي جيفارا و الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا و الكونجولي باتريس لومومبا والفيتنامي هوشي منه و الأندونيسي أحمد سوكارنو ، فتوحد هدف الولايات المتحدة الأمريكية في عقاب عبد الناصر مع هدف إسرائيل في توجيه ضربة لعدوها الأكبر لإرغامه على قبول الصلح معها و مع هدف القوى المدافعة عن عروشها في العالم العربي في وقف المد الثوري العربي لتنصهر الأهداف في هدف واحد مشترك و هو إسقاط الرئيس جمال عبد الناصر.
*(و هو ما حدث بالفعل في حرب أكتوبر 1973 فبعد أسبوع من نشوب القتال و بعد الخسائر الفادحة التي منيت بها إسرائيل و التي بلغت 400 دبابة و 40 طائرة في خلال أول خمسة أيام – حسب شهادة هنري كيسنجر – قامت رئيسة الوزراء جولدا مائير بالإستغاثة تليفونياً بالرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون – الذي كان غارقاً في أزمة ووترجيت – لإنقاذ إسرائيل فأصدر الرئيس الأمريكي أوامره على الفور بإقامة أكبر جسر جوي في التاريخ شاركت فيه كافة طائرات أسطول النقل الجوي العسكري الأمريكي في رحلات مباشرة كان يتم خلالها تزويد الطائرات بالوقود في الجو لضمان وصول المساعدات العسكرية بأقصى سرعة ممكنةإلى إسرائيل لتعويض خسائرها بالكامل من طائرات و دبابات و آليات و سلاح وذخيرة .. و بالتالي، و رغم الإنجاز العسكري المصري الواضح على أرض المعركة، إلا أن مصر وجدت نفسها تحارب عدواً لا يبلى عتاده و لا تفنى ذخيرته – انظر فيديو ريتشارد نيكسون و هنري كيسنجر أسفل ..
يذكر أنه بعد ثمانية شهور فقط من بداية حرب أكتوبر، تمت دعوة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون لزيارة مصر، واستقبلته القاهرة في 12 يونيو 1974 في أول زيارة رسمية لرئيس أمريكي إلى مصر، و تم إستقباله إستقبال الأبطال و أعدت له سيارة الرئيس جمال عبد الناصر المكشوفة ليستقلها و هو يطوف شوارع و ميادين القاهرة و الإسكندرية .. و في هذا كتب المرحوم أحمد فؤاد نجم يقول ..
شرفت يا نيكسون بابا .. يا بتاع الووترجيت عملوا لك قيمة و سيما .. سلاطين الفول و الزيت).
و فيما يلي محاولة لتأصيل أسباب المساندة الكاملة من الحكومة الأمريكية لدولة إسرائيل منذ نشأتها و الأهم من ذلك أسباب تعاطف و مؤازرة أغلبية الشعب الأمريكي لها رغم وضوح عدالة مطالبنا.